عمران الموسوي


في تونس المكتظة بالمتعلمين العاطلين والباحثين عن الهجرة إلى أرض الأحلام laquo;أوروباraquo; بشتى الطرق الشرعية والمحرمة، ومصر التي عانت الكثير منذ الانقلاب العسكري في العام 1952، والتي بات نصف شعبها يعيش في المقابر والعشوائيات في دور لا تصلح للآدميين، لا ماء ولا كهرباء ولا شوارع فكل ما وفرته الحكومة لهؤلاء المغلوبين على أمرهم والمحرومين من حوائط أسمنتية عالية، لإخفاء المدن المتهالكة ومن يقطنها. والدار الغنية ليبيا الجماهيرية، هذه الجماهيرية المقهورة التي لم تذق طعم الخير الذي هو فيها بل وزعت وأهدت خيراتها للجيران وتسليح الثورات الأجنبية وزرع المتفجرات في النوادي والطائرات، ثم سورية القهر والاضطهاد هذا الكيان الذي لا يعير بني الإنسان أي اعتبار، وخصوصاً إذا كان غير موالٍ للحزب الحاكم، وجارنا اليمن السعيد تكفي ما تبوح به الصور من بؤس وتخلف وبنى تحتية متهالكة وكأنما من يعيش فيها لايزال في القرون الوسطى.

كل هذه الديار شعوبها ثارت عليها وخرجت في الميادين والساحات وهي تنشد العدالة والمساواة وتوزيع مكاسب التنمية الاقتصادية بين أفراد الشعب وعدم تفضيل فئة على أخرى. هذه التلقائية والعفوية التي اتسمت بها الثورات العربية نتيجة الحرمان والقهر والبؤس والاضطهاد، واجهتها الحكومات بقوة السلاح تارة أو اتهامها بأبشع التهم وهي التآمر مع العدو الخارجي لزعزعة الأمن والأمان وتوفير الأرضية لتدخلات أجنبية تارة أخرى.

منذ الخمسينيات والانقلابات العسكرية حتى هذه اللحظة والحكومات العربية تغرد تارة باسم العدو الخارجي وتارة أخرى باسم الطابور الخامس، وتارة باسم العملاء المأجورين من الخارج، يا سبحان الله حتى الأسطوانة لم تصب بشرخ أو خدش أو كسر بل ظلت صامتة وقوية ومتماسكة تعمل منذ سنين وبدون كلل.

رغم الأوجاع والآلام والقهر والحرمان والعوز المنتشر في كثير من الأقطار العربية ورغم كل مظاهر الفساد والرشوة المتفشية في الإدارات الحكومية والمحسوبيات والوساطات...رغم كل ذلك لم يطل علينا زعيم عربي واحد يقر ويعترف أمام الله والأمة بأن هناك حقاً أخطاء وسوء توزيع للثروة وقصوراً كثيراً يجب معالجته وإيجاد أنسب الحلول له بدلاً من إطلاق التهم بأن هناك جماعة خارجية تمول وتساعد الشعب في إثارة الفتنة وزعزعة الأمن.

هذه الشماعة التي باتت ملازمة لحياة الشعوب العربية يبدو لي بأنها كانت ومازالت قائمة، فهي أسهل الطرق في إرباك الرأي العالمي والداخلي عما يدور من أحداث. ولتصديق هذه الرواية لا يتطلب الأمر سوى إعطاء أوامر مستعجلة للإعلام المقروء والمسموع بنشر القصص والحكايات بأن هناك مؤامرة وعدواً خارجياً يتربص، وما هي هذه الأحداث إلا من عمله ومن خططه فهو المتآمر وهو العدو الخفي، أما الفساد وسوء توزيع الثروة والبطالة والعشوائيات وغيرها من مظاهر القهر والحرمان لفئات كبيرة من الشعوب العربية فما هي إلا من نسيج الخيال والتصورات غير المبنية على الواقع، فالعدو الخارجي سيبقى شبحاً حتى يوم الدين.