خالد عبد الرحيم السيد

أعلنت جماعة الإخوان المسلمين في مصر، حتى قبل إعلان النتائج الرسمية النهائية، فوز مرشحها الدكتور محمد مرسي في المعركة الحاسمة لجولة إعادة الانتخابات الرئاسية، وسط أجواء مشوبة بالقلق إثر تداعيات قرار المحكمة الدستورية العليا بحل البرلمان المصري.

ولا شك أن الأحزاب الإسلامية، كالإخوان المسلمين، قد تشكلت لديهم الثقة التامة في كونهم قادرين على تحدي القوة المتزايدة للعسكر في مصر، ولذلك لم يأت ترجيح كفة الميزان لصالح مرشح حركة الإخوان المسلمين بمثابة المفاجأة، ففي أعقاب انتفاضة الربيع العربي، تعالت جذوة المد الإسلامي وأصبحت هناك أعداد لا يستهان بها من قواعد الشعب المصري تنظر للإسلاميين باعتبارهم أملا للأمة ينشدونه من أجل التغيير والاستقرار وسيفا مسلطا ضد فساد النظام السابق.

وأتاحت المساجد، رغم كينونتها المفترضة كدور للعبادة، الفرصة السانحة لجماعة الإخوان المسلمين والأحزاب الإسلامية الأخرى لكي يتخذوا منها منبرا لنشر فكرهم، واستطاعوا فعلا التأثير على شريحة عريضة من عامة الناس البسطاء الذين يرون في المساجد رمزا روحيا مقدسا لا يمكن المساس به بأي حال من الأحوال. فخلال فترة الحملة الانتخابية، استغلت الجماعات الإسلامية الوضع، واستخدمت المساجد باعتبارها شكلا من أشكال الدعاية الانتخابية للتأثير على الناخبين، وتعاظم هناك نهج أسلمة انتفاضات الربيع العربي، والتي انطلقت لأسباب تتعلق بتداعيات اقتصادية. وصدرت فتاوى دينية من قبل بعض العلماء الإسلاميين البارزين لمؤازرة مرشح بعينه باعتباره هو فقط من يجب أن يتم التصويت له في الانتخابات، وجاءت تلك الفتاوى لتملي على الناس ما يجب فعله وتفرض عليهم مرشحا محددا، كما قطعت تلك الفتاوى الدينية بأن التصويت لمرشح آخر لا يجوز شرعا، مما يدخل ذلك الناخب غير المؤتمر بأمر الفتوى، ضمن زمرة quot;أعداء الثورةquot;، وهم بذلك إنما يقوضون حرية الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا، ويفرضون عليهم حواجز تحول دون التعبير عن آرائهم، بدلا من منحهم حرية التصويت واختيار من يرونه مناسبا. إن ما يحدث في مصر يجري على غرار ما حدث في كل من ليبيا وتونس، عندما أصدر بعض العلماء الإسلاميين عددا من فتاوى الربيع العربي.

ومع صدور مثل هذه الفتاوى الدينية لمؤازرة مرشح معين، فإن مرشحي التيار الإسلامي قطعا سينالون تفوقا خاليا من النزاهة على حساب مرشحي الأحزاب العلمانية أو غيرها من الأحزاب الليبرالية، والمثير للدهشة هو صدور هكذا فتاوى من بعض العلماء الإسلاميين المقيمين خارج مصر، والذين لا يزال لديهم بعض النفوذ بين أوساط العامة في مصر، حيث يقومون بإصدار مثل هذه الفتاوى المتشددة التي تضع خطوطا حمراء حول الناخب المصري، وتحول دون ترك الناس أحرارا يختارون المرشح الذي يريدون، دون أن تضع في الحسبان تجنب فتنة الصراع الطائفي المحتمل.

وبوصول مرسي إلى منصب رئاسة الجمهورية، فإنه يحتاج إلى التركيز على ثلاثة أمور، أولها هو الوفاء بوعده بالجلوس إلى الأحزاب والتنظيمات الأخرى ومن ثم تشكيل حكومة ائتلافية، حيث لا يمكن للإخوان المسلمين وحدهم أن يحكموا مصر، فلقد أشارت نتائج الجولة الأولى لانتخابات الرئاسة، إلى أنهم لم يتمكنوا من الحصول على أغلبية، وبالتالي هم بحاجة للعمل والانسجام مع بقية الأحزاب والتنظيمات الأخرى الفاعلة في الساحة السياسية المصرية، إذا ما أرادوا فعلا أن تكون الحكومة الجديدة في مصر حكومة توافق وطني تضم غالب ألوان الطيف السياسي.

ثانيا، فهو يحتاج إلى التركيز على الاقتصاد حتى يضمن استمراريته في الحكم بصورة فعالة وناجحة، فبعد ربيع الثورات العربية، تصاعدت آمال الشعب المصري من أجل حياة حرة كريمة، ويتوقع المصريون بتفاؤل تام في المرحلة المقبلة على الأقل، أن يلمسوا تحسنا ملحوظا في حياتهم الاقتصادية ومستوى معيشتهم، وأن الحكومة ستعمل على مساعدتهم من خلال تنفيذ برامجها الرامية لإنقاذ الوضع الاقتصادي المتدهور، وينبغي ألا ننسى أن تداعيات المشكلة الاقتصادية والمتمثلة في ارتفاع معدلات البطالة والتضخم والفقر، كانت واحدة من الدوافع الرئيسية لانطلاق ثورات الربيع العربي.

وأخيرا، يجب على مرسي التعاون مع المجلس العسكري لتجنب المزيد من التكتلات التي تسعى إلى تجزئة البلاد، خاصة أن عدداً كبيراً من الشعب لم يصوتوا في جولة إعادة الانتخابات، وهذا يدل على أنهم ليسوا مع معسكر مرسي ولا مع منافسه أحمد شفيق، وربما حتى يفضلوا بقاء العسكر على قمة الهرم السياسي للدولة، ولو إلى حين، لقناعتهم بأنها ربما هي الوسيلة الوحيدة التي يضمنون بها الحفاظ على استتباب الوضع الأمني في البلاد، بعد معاناتهم من حالة عدم الاستقرار والانفلات الأمني التي نتجت عن الانتفاضة. فبدلا من الصدام مع المجلس العسكري، فإنه سيكون على مرسي، ولمصلحة مصر، استصلاح أرضية السلام الاجتماعي والسياسي في الدولة من خلال المبادرة بغرس كل ما من شأنه توطيد أواصل المحبة بين الجميع وبذر بذور وحدة الهدف والمصير والعمل السياسي المشترك بين أبناء الشعب الواحد، ويكفي ما حدث من خلافات بين حماس وحكومة عباس في فلسطين، وما نتج عنها من آثار كارثية مدمرة للوحدة الوطنية الفلسطينية. أو ما حدث في الجزائر بين الإسلاميين والعسكر في العام 1992.

ومع ذلك، فإن البيان الذي أصدره المجلس العسكري المصري مؤخرا بشأن الإعلان الدستوري المكمل، يحد ظاهريا من صلاحيات الرئيس، حيث إنه وبحسب وصف الغالبية العظمى لتنظيمات الثورة، يعد استمرارا لمسلسل الانقلاب الناعم على تداول السلطة المدنية تحت لافتة القانون، خاصة بعد حل البرلمان عن طريق المحكمة الدستورية، والآن بعدما باتت مصر على بعد أيام معدودات من أداء أول رئيس مدني منتخب لليمين الدستورية، جاء الإعلان الدستوري المكمل لينصِّب المجلس العسكري رئيسا ومشرعا، مما يؤكد أن الجيش لا يسعى إلى تسليم السلطة. هذا بجانب التعديلات الإضافية الأخيرة، بما في ذلك تشكيل مجلس الدفاع الوطني، والذي رغم أنه يضم في عضويته الرئيس الجديد ورئيس مجلس الوزراء، إلا أنه تهيمن عليه قيادات عسكرية عليا، وهذا أيضا دليل آخر على عدم استعداد الجيش لتسليم السلطة إلى حكومة مدنية. وهو ما يجعل الوضع معقدا وبالغ الصعوبة، حيث يحتمل المشهد السياسي المصري أكثر من سيناريو محتمل.

أحد هذه السيناريوهات، هو أنه سيكون هناك المزيد من المسيرات الاحتجاجية المتكررة على غرار تقاطر الدعوات من قبل عدد كبير من القوى السياسية والثورية تدعو جموع الشعب المصري للنزول للتظاهر في جميع ميادين التحرير بمختلف المحافظات تحت شعار quot;مواجهة الانقلاب العسكريquot;، احتجاجا على الإعلان الدستوري المكمل والإجراءات التي أصدرها المجلس العسكري، معتبرين أنه انقلاب على الثورة والشرعية الشعبية. وفي ذات الوقت، فإنه وفي حال فشل الإخوان المسلمين في الوفاء بتعهداتهم تجاه الشعب، فإن الشعب لن يألو جهدا كذلك في حشد جموع المتظاهرين وتنظيم المسيرات ضدهم.

وثمة سيناريو آخر جدير به أن يحدث، وهو طالما أنه قد تم حل البرلمان من قبل المحكمة الدستورية العليا، فإن هناك إمكانية لإجراء انتخابات لاختيار برلمان جديد قريبا، ويمكن خلال هذه الفترة الزمنية الكافية، إتاحة الفرصة للأحزاب العلمانية والديمقراطية والعناصر المؤيدة للثورة، أن تحجز مقاعدها من الآن في مجلس الشعب، إذا ما صدقت نواياهم تجاه مستقبل أكثر إشراقا، إذا ما أخذت العبر واستلهمت الدروس من خلال تجارب الماضي، ومع ترجيح كفة الميزان الرئاسي لصالح الإخوان المسلمين، وهيمنتهم بالفعل على شؤون رئاسة الدولة، فإن رغبة قوية قد تتغلغل في أوساط الشعب المصري في أن يكون البرلمان القادم أكثر ليبرالية من خلال وجود قاعدة عريضة وطيف واسع لأحزاب الثورة بمختلف توجهاتها الفكرية والعقائدية، لخلق مزيد من التوازن، حتى يكون الجميع شركاء في اقتسام السلطة، مع وجود ضمانة دائمة بعدم تحكم جماعة واحدة في شؤون البلاد والعباد.

فنحن لا نريد أن نرى مصر مجرد شجرة تخضر وتزدهر أوراقها quot;ربيعاquot; وتتساقط أوراقها شتاء كل عام، بل نريد أن نرى مصر quot;الثورةquot; ماضية قدما إلى الأمام في درب التطور والرخاء، بسطوتها الاقتصادية ومنعتها السياسية الوطنية ومتانة نسيجها الاجتماعي، رامية وراء ظهرها ما خلفته الثورة من تركة مبارك