عبداللطيف سيف العتيقي


لقد تعرض كثير من العراقيين الى تهجير قسري فرض عليهم نتيجة المجازر الوحشية ضدهم، كما تعرضوا الى تفتيش طائفي، خصوصا لمن يحملون اسماء الصحابة رضوان الله عليهم، مما زاد من وتيرة الازمة العاصفة، وجعلتهم يفرون بدينهم ودنياهم الى جميع بقاع العالم الاسلامي والعربي! وسوف اغوص في عالم الواقع مع الذين عايشوا الفترة الحرجة هناك في الداخل العراقي، عندما كنت في زيارة ودية الى مصر، وبالتحديد الى مدينة 6 اكتوبر. كان في استقبالي في مطار القاهرة سائق سيارة خاصة عراقي اسمه ابو غانم من اهل بغداد، والحقيقة اني ارتحت لهذا الرجل، خصوصا عندما قال لي: نحن والكويت اخوان وابناء عم؟

واقمت معه صحبة وصرت لا اتنقل خارج 6 اكتوبر الا بعد ان اتصل به هاتفيا ليسعفني بسيارته الخاصة انتقل حيث اشاء. وقد دعاني مرة إلى غداء على الطريقة العراقية المعروفة في بيتهم، المائدة العراقية ذات اصناف معروفة مرق بانية (بامية) مع تمن عنبر (رز) وكبة برغل معتبرة ذات النكهة العراقية المميزة، خصوصا ان اليد التي طبختها هي يد امه الحنون كما يصفها ابو غانم. والحقيقة ان العراقيين، خصوصا اهل بغداد والموصل والفلوجة وصلاح الدين وغيرهم، وما اكثرهم، من ذوي الطيبة والمروءة والكرم الحاتمي، لكن صدام وحكمه افسدا العلاقة بين الكويتيين والعراقيين، علما بان علاقة الخليجيين العرب مع العراقيين كانت ومازالت لم يخدشها خادش من سوء علاقة نتيجة الغزو العراقي للكويت، لانهم يدركون ان الفاعل الحقيقي هو صدام، وان من سنّة الحياة ان الحكام زائلون وتبقى العلاقات بين الشعوب هي الدائمة.

وفي جلسات عدة مع ابو غانم: يحكي الواقع المأساوي داخل العراق والاوضاع الطائفية التي مزقت الشعب العراقي الى نصفين، وان القيادة العراقية مع بعض المتشددين استقووا بالاجنبي الاميركي الذي ساندهم بكل قوة، مما زاد في اتساع الشق وازداد معه الانشقاق الطائفي، بحيث لم تعد وسائل الاصلاح بين الطرفين تجدي نفعا، ان التاريخ يعيد نفسه في عاصمة الدولة العباسية في بغداد، عندما دخل التتار بغداد بمساعدة الطوسي، وقتلوا خليفة بغداد وغيره من المسلمين من دون رحمة، وافسدوا ممتلكات الآمنين ودمروا عاصمة بغداد مقر الاسلام، ولا حول ولا قوة الا بالله، ان دوام الحال من المحال laquo;وتلك الايام نداولها بين الناسraquo; الآية القرآنية، وسيأتي اليوم الذي يعود فيه كل الشعب العراقي المهاجر، واذا كان صدام قد رحل مع التاريخ، فإن غيره من الاشرار سيرحلون من العراق او ربما يحاكم ويحاسب حسابا عسيرا على ما فرطت يداه من بطش وقتل وتعذيب للشعب العراقي ابان دخول القوات الاميركية، والتعاون معهم بقتل شعبه، والاخبار المنقولة والصور شواهد لا يمكن ان تمحى من ذاكرة التاريخ..وسيمر الربيع العراقي قادما مع قدوم المهاجرين السبعة ملايين عراقي، وفي 6 اكتوبر التقيت مع عشرات العراقيين، وكلهم يقسمون بأغلظ الايمان انهم عائدون، وان ما تبقى من قوات العسكر الاميركي في العراق هو سبب الازمة الطائفية المشتعلة، لان السياسة الاميركية تعتمد على خلق جو من اللاإستقرار في الوطن الواحد، لكي يبقى طويلا في العراق. هذه الكلمات التي اخطها عبر مقالي هذا، انقلها من شجون بعض العراقيين المهاجرين في الخارج، وممن قابلتهم في 6 اكتوبر، وهم الانموذج الشعبوي العراقي، تسمع صدى هواجسه وانينه وحنينه الذي لا ينقطع في كل مكان في العالم، انهم العراقيون في الخارج، والامل في العودة قريبا ان شاء الله.