ممدوح طه


هل هناك تناقض بين الوطنية والقومية، أو بين القومية والدين؟ في الواقع ليس هناك تناقض ولا ينبغي أن يكون هناك تناقض بين الوطنية المصرية مثلا وبين القومية العربية، ولا بين القومية العربية وبين الرسالات السماوية وخاتمتها الرسالة الإسلامية.

فالوطنية المصرية مثلا هي الإطار الجامع للشعب المصري الواحد من كل أبناء القوميات والديانات في الوطن المصري الواحد المحدد بالحدود الجغرافية للدولة المصرية، والقومية العربية هي الانتماء الواحد للثقافة العربية في الإطار الأوسع الجامع للشعب العربي الواحد على امتداد الوطن العربي من الخليج العربي إلى المحيط الأطلسي، والعقيدة الدينية الإسلامية مثلا، تجمع جميع المصريين وجميع العرب وجميع المؤمنين بها على امتداد الوطن الواحد والأمة الواحدة والعالم كله.

وبينما تشكل ثقافة العروبة الإطار الجامع لكل العقائد والأيديولوجيات فإنها في الوقت نفسه تمثل حلا لمسألة الأقليات الدينية، وبينما تشكل ثقافة الإسلام الإطار الجامع لكل الإثنيات ولكل المذاهب الدينية فإنها تمثل في الوقت نفسه حلا لمسألة الأقليات القومية، والثقافة العربية والإسلامية معاً تمثلان الحل الديمقراطي الأمثل لمثل هذه المشاكل السياسية المتعددة والمتوترة في الوطن العربي.

إن هذا الربط بين دوائر الهوية الثلاث يحول مشكلة التناقضات المفتعلة إلى حل، لأن هناك من النخبة الثقافية من يضع الوطنية بديلا عن العروبة أو من يضع العروبة بديلة للإسلام أو من يضع الدين نقيضا للوطنية والقومية معا.

فهناك مثلا من يعارض الإسلام ويعترض على العروبة، باسم الديمقراطية تارة أو العلمانية تارة أخرى ويعلن انسلاخه من الانتماء إلى الثقافة القومية والثقافة الدينية التي شكلت مكونات الهوية الحضارية التاريخية والمعاصرة لوطنه وأمته.

من هنا أرى في الإسلام والعروبة معا الإطار الجامع لجل مكونات الأمة والحل الأمثل لمشكلاتها، هذا مع احترام العقائد السماوية الأخرى والمساواة مع أخوة الوطن في الحقوق والواجبات؟!

هنا نحتكم إلى مقياس العصر وهو laquo;الديمقراطيةraquo;. أليست هي في النهاية التعبير الفكري والعملي لرؤى الغالبية الشعبية؟، أليس القرار في عملية التداول السلمي للسلطة عن طريق الانتخابات السليمة يؤول للأغلبية؟ وهل غالبية السكان في شرقنا غير مسلمين أو في منطقتنا غير عرب؟

مجرد سؤال.. الإجابة تشير إلى أن غالبية السكان ينتمون للعروبة ويدينون بالإسلام، فمعنى ذلك أنهما يمثلان مرجعية الأغلبية الشعبية ولها بالديمقراطية حق الهوية الثقافية للغالبية، ولا يعني ذلك بأي حال أن الحكم يعني التحكم أو أن السلطة تعني التسلط من جانب الأغلبية على الأقلية.

ولكن كيف تمثل الثقافة الإسلامية حلا للمسألة القومية؟ إذا كانت حقيقة أن المسلمين من كل الأعراق هم الغالبية الكبرى في العراق مثلا، فإن الإسلام يصبح هو الصيغة الجامعة لهذه الغالبية المتعددة الأعراق، وهو يحل بهذا مشكلة الأقليات القومية ويتيح التعددية القومية في إطار الدين الواحد الجامع لها جميعاً مصداقاً لقول الله تعالى laquo;وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكمraquo;.

وإذا كان الإسلام يعترف بالتمايز القومي ويساوي بين المسلمين حيث laquo;لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوىraquo;، فهل هناك دين آخر تدين به غالبية السكان ويعترف بجميع الأديان الأخرى ويتيح حل مشكلة الصراع العرقي غير الإسلام الذي لا يعترف بالقوميات فقط، ولكن بجميع الرسالات السماوية الأخرى أيضاً يساوي بين المؤمنين بالله جميعا على قاعدة quot;لهم ما لنا من حقوق وعليهم ما علينا من واجباتquot;.

أما كيف تكون laquo;العروبةraquo; حلا لمشاكل الأقليات الدينية؟ فإن ما يجمع العربي المسلم مع العربي المسيحي أو العربي اليهودي أو غيره من العرب هو رباط العروبة بجذورها القومية حتى مع اختلاف الانتماءات الدينية، وبالتالي يكون بين أبناء الرسالات السماوية الثلاث رابط واحد يجمع بينهم وهو النسب والثقافة العربية.. وهو بهذا يكون إطاراً توحيديا جامعاً للأقليات الدينية.

والعاصم الذي يجب أن يمنع القومية العربية من الطغيان على الأقليات القومية، هو الإسلام الذي يساوي بين القوميات، كما أن العاصم الذي يمنع دين الغالبية من الطغيان على أبناء الأديان الأخرى، هو الإسلام نفسه الذي يصدق بكل ما سبقه من أديان، ويمنع الظلم، أي ظلم، ويحرم العدوان، أي عدوان.

إن التلازم بين العروبة والإسلام هو ما يبدو، منطقيا وعمليا، ا والذين يرون في الإسلام وحده إطاراً كافياً بغير عروبة نقول لهم إن الإسلام هو الروح والعروبة هي الثقافة، ويكفي أن القرآن الكريم نزل إلى العالم كله باللغة العربية، وأن العرب هم الذين حملوا رسالته العظيمة إلى العالمين. والذين يرون أن العروبة هي إطار هذه الأمة بغير الإسلام، نقول لهم عروبة من؟ عروبة laquo;أبو جهلquot; أم عروبة laquo;محمدraquo;، أي عروبة تريدون؟!