سليمان تقي الدين

أقرت الحكومة اللبنانية مشروع قانون للانتخابات النيابية على أساس 13 دائرة انتخابية ونظام التمثيل النسبي، وأحالته إلى المجلس النيابي لمناقشته وإقراره . يستجيب القانون لمطلب إصلاحي قديم باعتماد نسبية التمثيل الأكثر عدالة والذي يسهم في تقليص دور الأحزاب والقوى الطائفية التي تصادر تمثيل الجماعات بأكثريات انتخابية بسيطة . أما توزيع الدوائر فهو الأقرب إلى الواقعية السياسية اللبنانية حيث الدائرة متوسطة الحجم تسمح بقيام صلات وثيقة بين المرشح والناخب، وتقترب من الشخصية السياسية التاريخية للجماعات وكياناتها الجغرافية . وهو إلى ذلك يساعد على صحة تمثيل المسيحيين المنتشرين في معظم الدوائر الانتخابية ويعطيهم فرصة أفضل للتعبير عن خياراتهم . يسمح هذا القانون لكتل المجتمع المدني وللشخصيات المستقلة أن تتمثل ولو بنسب ضئيلة، ويعزز الحاجة إلى تطوير الحياة السياسية على أساس حزبي أو ائتلاف سياسي واسع . فلا أحد في لبنان يطعن اليوم بمبدأ أن التمثيل النسبي هو الأكثر عدالة وأكثر انسجاماً مع حاجة لبنان إلى طمأنة جميع الفئات إلى تمثيلها، وهو خطوة إصلاحية أساسية لنشوء تعدديات داخل الجماعات الطائفية من أجل تطوير الممارسة الديمقراطية وإلغاء حالة الاحتكار السياسي الطائفي الذي يسهم في شل اللعبة الديمقراطية، ويفرض حكومات متناقضة في توجهاتها السياسية تحت اسم حكومات الوحدة الوطنية، ويفرض نظام المحاصصة السياسية ويجعل النظام مجرد فيدرالية طوائف . عملياً قانون الانتخاب النسبي يأخذ من حصة جميع الطوائف والجماعات حيث سيطرتها طاغية دون أن يقلل من حجم تمثيلها السياسي، ذلك أن الصوت الانتخابي يأخذ فاعليته أكثر في ظل التمثيل النسبي .

اعترضت معظم قوى 14 آذار على مشروع القانون هذا لأنه في نظرها قد يؤدي إلى أرجحية بسيطة لمصلحة أكثرية قوى 8 آذار في الانتخابات المقبلة تمكنها من السيطرة على السلطة السياسية في البلاد بواسطة الأكثرية البرلمانية . لكن هذا الاعتراض ليس بمحله، لأن الأكثريات النيابية قد تتشكل وفق اعتبارات غير انتخابية، والحكومات تأتي وفق ظروف سياسية وضغوط يلعب الشارع دوراً مهماً فيها . ومن المعتقد أن التمثيل النسبي قد يبلور تمثيل شريحة ldquo;سنيةrdquo; سياسية ليست في دائرة نفوذ ldquo;تيار المستقبلrdquo; أو يفرز تمثيلاً ldquo;درزياًrdquo; ليس في دائرة نفوذ وليد جنبلاط، فضلاً عن خسارة جنبلاط لجزء من التمثيل المسيحي، ومن غير المؤكد أن يمر مشروع القانون هذا في المجلس النيابي في ظل الأكثرية الحالية لمصلحة 14 آذار إلاَّ إذا انحاز مسيحيو 14 آذار إلى هذا المشروع انسجاماً مع مطالبتهم بتمثيل مسيحي أعدل . ليس مضموناً أن يقف المسيحيون في 14 آذار مع هذه الخطوة الإصلاحية ومع هذا المخرج للتمثيل المسيحي الصحيح في ظل احتمالات غلبة تيار 8 آذار على المستوى السياسي الوطني . ومن الضروري في هذا السياق معرفة موقف الكنيسة المارونية من هذا المشروع، وهي التي تدفع بمطلب صحة تمثيل المسيحيين، وهل تستطيع أن تمارس نفوذها إلى جانب هذا المشروع، أو أنها ستخضع للحسابات السياسية الظرفية لدى فريق 14 آذار المسيحي؟ ولعل مشروع القانون المقترح يشكل فرصة أخيرة لكي يعاد إنتاج السلطة السياسية على أساس أكثر عدالة بالنسبة إلى الجماعات الطائفية، وإلاّ فهي تتجه أكثر نحو مشاريع تطالب بانتخاب كل طائفة لنوابها بصورة مستقلة .

ومن الواجب القول إن فريق 14 آذار يفوّت فرصة سياسية إصلاحية مهمة في تعزيز شرعية التمثيل الوطني برفضه قانون النسبية، ويتخذ موقفاً مسبقاً غير صحيح من احتمالات تقليص حجمه الانتخابي . فهو لو خاض معركة سياسية بأفق تطوير الصيغة السياسية على مبدأ التعددية داخل كل الجماعات، فله أن يكسب الآن أو في ظرف سياسي متغير أكثرية وفق الفرز السياسي الوطني الذي قد يستجد مع كل تطور في الظروف الداخلية والإقليمية . أهمية قانون النسبية أنه يخفف من حدة التمثيل الطائفي الأحادي وهذا أساس في تصحيح التنافس على أساس سياسي وليس على أساس طائفي . فهل تراجع القوى السياسية مواقفها المعلنة؟ ذاك ما سنعرفه قريباً .