محمد بن عبد اللطيف ال الشيخ

لم أستغرب عندما قرأت عن اكتشاف دولة الإمارات العربية المتحدة لخلية إخوانية مسلحة، تسعى إلى تمكين كوادر الإخوان من حكم الدولة بقوة السلاح، بعد أن تلقت معلومات عنهم وعن نشاطاتهم وصلت إليها من حكومة المملكة.

الإخوان اليوم يمرون بنفس المرحلة التي مرت بها ثورة الخميني في بواكير انتصارها؛ ثوار دونما روية ولا سابق خبرة بالإدارة، يطغى عليهم الشعور بالنصر، واستسهال قلب الأنظمة، وتصدير الثورة، والمفتاح السحري للثورة (نصرة الدين).. وظنوا أن ما حصل في مصر وتونس واليمن وليبيا والآن في سوريا بإمكان تكراره في الخليج، حيث الثروة التي يسيل لها لعابهم، بغض النظر عن وجود أو غياب الأسباب الموضوعية التي أسقطت تلك الأنظمة ولا تتوفر في الخليج؛ فهم حركة غوغائية ديماغوجية تعرف فقط كيف تُجنّد وتُجيّش الأتباع والغوغاء، وكيف تدير التنظيمات السرية تحت الأرض، أما السياسة والاقتصاد والعلاقات الدولية وإدارتها فلا علاقة لهم بها؛ ناهيك عن فهم الأسباب الموضوعية الباعثة على الثورات والمحركة لها.

وكنت قبل أيام في الإمارات، وهناك شبه إجماع على المستوى الرسمي والشعبي على أن (الإخوان) أعداء؛ بل هناك من يصر على أنهم أخطر من إيران، ويجتهد ليسوق الأسباب التي يبرر فيها موقفه.

وبغض النظر عن وجاهة مقارنة خطر إيران بالخطر الإخواني، وأيهما الأخطر؛ فالذي يهمني كمراقب أن (الإخوانية) هناك أصبحت (تهمة) خطيرة، يتبرأ منها المواطن والوافد على السواء، خاصة ممن يعيشون هناك من المصريين وعرب الشمال.

مصر بعد الثورة في حاجة ماسة للمال، واقتصادها كما تؤكّد الأرقام يسعى بخطى حثيثة إلى التأزم وربما إلى الإفلاس، ما يوجب على القيادات الإخوانية المصرية أن يبتعدوا عمّا يُثير التوجّس والريبة الخليجية، خاصة في هذه المرحلة التي هم فيها في أمس الحاجة لدعم دول الخليج؛ ومعروف أن حوالات المصريين العاملين في الخارج تشكّل مصدراً رئيساً من مصادر تمويل الاقتصاد بالعملة الصعبة في مصر، ناهيك عن الاستثمارات الخليجية التي تعتبر تقليدياً بالنسبة للاقتصاد المصري أحد أهم مصادر تمويله، وعندما تتضعضع هذه المصادر أو تضعف فإن ذلك سينعكس بشكل سلبي وحاد على قدرة مصر ما بعد الثورة على الخروج من المأزق الاقتصادي الذي تمر به.

والسؤال: لماذا يصر الإخوان على التضحية بكل ذلك ويعملون على التآمر وتكوين الخلايا لإثارة الاضطرابات في دول الخليج من خلال كوادرهم وهم في أمس العون لهذه الدول لانتشالهم من أزمتهم؟ السبب في رأيي يعود إلى (الرعونة السياسية)، وسوء تقدير للتعامل مع الواقع.

فالذي يرصد تعامل الإخوان منذ أن قفزوا إلى الحكم في مصر يرى بوضوح افتقارهم إلى الخبرة، وتخبطهم في القرارات، وعدم قدرتهم على الخروج من ثوب الثوار واندفاعهم إلى حصافة السياسي وهدوئه وتخطيطه وحساباته في اتخاذ قرارته؛ وفي تقديري أن إصرارهم على تصدير الثورة من خلال هذه الخلية الإخوانية المقبوض عليهم هناك، يؤكّد ما أقول؛ فمن يحكم مصر هم حتى الآن ثوار حركيون وليسوا رجال دولة.

هذه الخلية كما هي الشائعات التي يتداولونها عنها في الإمارات تؤكّد أن اكتشافها أدى إلى تفكيك عدد من الخلايا الأخرى النائمة، والتي كانت تنتظر الأمر بالحركة يأتيها من الخارج؛ والغريب أن الممولين والمنظّرين والمخطّطين هم للأسف من دولة خليجية شقيقة كما يتحدثون في الإمارات، وهذا ما يزيد القضية حرجاً وتعقيداً.

إلى اللقاء.