القاهرة ndash; أمينة خيري

شعور عام اجتاح جموع المصريين أمس بالاشتياق إلى يوم هادئ فيه قليل من مسرحيات فؤاد المهندس العتيقة وأفلام عادل إمام المزمنة وبرامج laquo;ما شعورك في العيد؟raquo; البالية وكثير مما تيسر من مآدب الطعام على رغم أنف الأسعار وغياب تام لكل ما من شأنه تعكير صفو العيد.

وما أكثر مصادر التعكير ومنابع التكدير، بدءاً بانشقاقات وطنية وفروق سياسية وانهيارات اقتصادية وجدالات دستورية ومشاريع قوانين تظاهرية ومروراً بأنباء محاكمات للمخلوع والمعزول ورحلات خارجية للموقت وكتابات جدارية مسيئة للسيسي وأخرى تصحيحية معيدة توجيه الإساءة إلى مرسي وانتهاء بكل ما يمت بصلة لرياح مصرية بدأت ربيعية منعشة سرعان ما تحولت إلى laquo;انتقاليةraquo; مؤلمة وانتهت إلى انتخابية مهلكة وما نجم عنها من أسئلة وجودية محرجة قوامها laquo;ثورة دي ولا انقلابraquo;؟

نداءات مصرية عدة عبر laquo;فايسبوكraquo; و laquo;تويترraquo; والهواتف النقال منها والثابت للأهل والأصدقاء بأن يكون أول وثاني أيام عيد الأضحى المبارك راحة إجبارية لجميع الفرق السياسية وفرصة ذهبية لاستعادة السكينة والراحة النفسية بعد عناء استقطابي مقيت وظرف ثوري شديد.

كتب محمد مستجدياً laquo;وحياة أغلى ما لديكم. يوم واحد فقط من دون شد وجذب وجدل ووجع دماغraquo;، وغردت سمية عن نوستالجيا الماضي القريب laquo;وقت كان العيد فرحة وفتة ولبس جديد، من غير إخوان ولا انقلاب ولا رابعة ولا أردوغان. المجد لمبارك والظلم وحكم الفردraquo;.

إلا أن نيل المطالب لا يدرك بالتدوين والتغريد والتمني بل تؤخذ الدنيا فصلاً مقصوداً عن أدوات التواصل الاجتماعي وعزلاً موقوتاً عن موبقات الأخبار ومغبات المتابعات ومنغصات الأحداث. وعلى رغم عقد العزم الجمعي على القيام بعملية الانعزال هذه ولو لـ48 ساعة الأولى من عيد الأضحى المبارك، إلا أن هناك من عكر صفو عزلته موقعه الجغرافي على هذه الفعالية المناهضة لـ laquo;انقلابraquo; أو تلك المسيرة الملوحة بأصابع أردوغان أو هذه العشرات التي تخرج متفرقة لبث أغنية laquo;ثورة دي ولا انقلابraquo; في صباح العيد و laquo;مصر إسلامية لا علمانيةraquo; بعد صلاة العصر وفعاليات إخوانية ضد الانقلاب بين هذه الصلاة وتلك.

ظاهرة laquo;انقلابوفوبياraquo; التي تهز أرجاء الجماعة هزاً بينما أرجاء مصر تهتز على وقع مشاعر تحلم بعيد هادئ وصلت مداها أمس عقب صلاة العيد. فكل مسيرة تخرج فيها حفنة من الإخوة هي laquo;مسيرة ضد الانقلابraquo; وكل وقفة تهتف فيها كوكبة من الأخوات هي laquo;وقفة ضد الانقلابraquo;، وكل وجبة يتناولها أنصار الشرعية والشريعة هي laquo;فتة ضد الانقلابraquo; أو laquo;باذنجان ضد الانقلابraquo; ووصل الأمر إلى درجة قيام أحدهم بوضع علبة مناشف ورقية على مائدة غداء العيد وأخرج منها أربع مناشف على شكل أصابع laquo;رابعةraquo;!

وعلى النقيض من الاشتياق المصري لسويعات هادئة في مناسبة العيد للململة الأعصاب المنفلتة وحلحلة المشاهد الملتبسة وطمأنة النفوس المنفعلة، فإن هذه السويعات بدت حتى يوم أمس فرصة مواتية لأنصار الجماعة ومحبي الشرعية لتأجيج الأعصاب وتعقيد المشاهد وجزع الأنفس. دعوات عدم الاحتفال بالعيد بلغت أقصاها نهار أمس، مع مطالبة الجميع إما بالمشاركة في مسيرات لكسر الانقلاب أو تظاهرات الإساءة للجيش أو وقفات التنديد بالشرطة أو جلسات الدعاء على laquo;الانقلابيينraquo; أو زيارة مقابر الشهداء أو تذكر من فقدوا أو ماتوا أو جرحوا أو تألموا أو تضايقوا أو أحبطوا أو اكتئبوا أو سجنوا أو تعذبوا أو لحق بهم أي شيء شرط أن يكون مدعاة للكآبة والظلمة والتعاسة في هذه المناسبة!

فمن موقع خبري إخواني يصف المساجد التي تجمع فيها عدد من الإخوة لصلاة العيد بـ laquo;طوفان بشريraquo; يندد بالانقلاب بعد صلاة العيد، إلى صفحة laquo;فايسبوكraquo; تؤكد أن laquo;زلزالاً ملائكياًraquo; هتف ضد الانقلاب أثناء التوجه لصلاة العيد إلى تغريدات على laquo;تويترraquo; تتناقل أنباء laquo;تسونامي شرعيraquo; ينادي بعودة الدكتور محمد مرسي في شوارع مصر إلى رسائل نصية قصيرة تشير إلى laquo;فيضان من أرواح الشهداءraquo; لاح في الأفق وقت صلاة العيد بدت جهود عاتية لأنصار الشرعية والشريعة للاستعانة بظواهر طبيعية مزلزلة مدمرة هادمة لأي بشائر تلوح بفرحة كامنة هنا أو احتفال متخف هناك. فالعيد الحقيقي هو يوم عودة مرسي إلى القصر والاحتفال الشرعي يوم كسر الانقلاب والبهجة الحقيقية يوم تنزل السماء غضبها على كل من نزل للتفويض أو فرح لعزل أول رئيس مدني منتخب أو تمايل طرباً على أنغام laquo;تسلم الأياديraquo;!

ويستمر العيد وتستمر جهود الاستقطاب المصرية بين شعب يتوق إلى الهدوء والراحة وجماعة تهفو إلى استمرار الصخب وإعادة طرح السؤال من laquo;ثورة دي ولا انقلاب؟raquo; إلى laquo;عيد ده ولا انقلابraquo;؟