حسن عبد الله عباس

كيف يُنظر إلى مانديلا عربياً؟ بصراحة لا يهم رأي العرب في مانديلا، لكننا هنا في مقام المقارنة ليس إلّا. لماذا نجح مانديلا في حين فشل العرب؟
كما قُلت لا يهم رأي أحدهم في مانديلا، فالأهم درجة ونسبة الإلهام المستوحاة من صموده. ما السر في نجاح مانديلا في حين الثورات العربية باءت بالفشل؟ هل الاختلاف في المبادئ الثورية، في الأسباب التي أشعلتها، أم في الأسلوب؟
إن لم تكن كُل الثورات، فلا أقل أن أغلبها تتشكل على إثر الاضطهاد والظلم والقهر والمطالبة باسترداد حقوق المجتمع. فهذا ما حصل مع الأوروبيين وحصل مع مانديلا، وحصل مع تشي غيفارا ومع غاندي ومع الزعيم الراحل للجمهورية الإسلامية روح الله الخميني ومع غيرهم.


جميع هذه الثورات تتفق على مجموعة من المتغيرات. فهذه الثورات تنطلق من 1- سلطات ظالمة، ثم 2- حالة احتقان وتذمر شعبي، ثم 3- توافر قيادة مثقفة واعية وثيقة الصلة بالشعب وموثوق بها، ثم 4- خطة عمل ممنهجة لاستمالة الشعب نحو حركة ثورية موحدة، ثم 5- البدء بالمشروع الثوري، ثم 6- الانقلاب على السلطة الظالمة واستلابها، ثم 7- إسنادها إلى النخب السياسية المؤيدة للمبادئ الثورية للخروج بها من الفوضى والثورة إلى مرحلة الاستقرار والدولة.


هذه المراحل تقريبا هي النقاط المشتركة بين جميع الثورات الناجحة، إلا العربية. الثورات العربية في حقيقة الأمر ليست سوى غارات وحروب قتالية. لاحظ أن الدول العربية التي تشكلت عبر التاريخ لم تكن سوى انقلابات عائلية وحروب ومعارك قتالية خدمة لمصالح فئات معينة لا أكثر. والانقلابات العربية بما فيها انقلابات القرن الجديد (21) لم تكن بأكثر من احتقان ثم تنفيس عفوي ارتجالي كونها دائما تقفز ومباشرة إلى المرحلة 5 سابقة الذكر من دون أخذ بقية النقاط بنفس العناية والإدراك.
لهذا ليس بلغز أن تنتهي الثورات العربية إلى احلال سلطات ظالمة مكان أخرى. فيا تُرى هل يفهم العرب مغزى كلمة مانديلا laquo;إقامة العدل أصعب بكثير من هدم الظلمraquo;، وأن بناء الشعوب أصعب بكثير من تدمير السلطة الظالمة، وأنه من سابع المستحيلات بناء الثقة على أرض الغدر والخيانة، وأن المجتمع لا يتربى على عقيدة الإقصاء، وأن الوحدة ثمرة التسامح وثمرة الانتقام الاقتتال والمزيد من الاقتتال! هذه دروس مانديلا، فهل ستجد عند نخب الثورات العربية من يستلهم منه هذا الفكر؟!