محمد خروب

من يتابع laquo;فلكلورraquo; الحزن المحمول على فجيعة مصطنعة, الذي يهطل من ثنايا الاعلام الامبريالي وخصوصا قصور الرئاسات الغربية بدءاً بالبيت الابيض الاميركي وليس انتهاء بالطبع بالأم الحنون فرنسا، حيث ينهض سيد قصر الاليزيه بدور استعماري laquo;متجددraquo; في القارة السوداء محاولاً الطمس على تدني شعبيته غير المسبوق في استطلاعات الرأي بعد اقل من عامين على انتخابه (18 شهراً)، دون نسيان laquo;فتىraquo; 10 داوننغ ستريت.. الأغر، بل إن الفاشي بنيامين نتنياهو هو الاخر شارك في laquo;الزفةraquo;، يلحظ المرء إذاً ان الغرب يبدو وكأنه بالفعل كان خلف انتصار قضية شعب جنوب افريقيا في مواجهة نظام التمييز العنصري الابشع في التاريخ بعد ان تمكن المستوطنون البيض من الامساك بالسلطة، ثم تمددوا شمالاً وغربا وكانت روديسيا الجنوبية laquo;النموذجraquo; الصارخ على تواطؤ المستعمر البريطاني لتلك البلاد، عندما أعلن إيان سميث في العام 1965 laquo;إنفصالهraquo; عن بريطانيا وتسمية البلد الافريقي العريق باسم روديسيا (تحمل الان اسم زيمبابوي).


رثاء نلسون مانديلا غطى المعمورة بالصوت والصورة وبالبرقيات وال SMS والواتس آب وكل ما تتوفر عليه وسائل الاتصالات الغربية من قدرات وتأثير، يريد الجميع ان يغتنم laquo;الفرصةraquo; التي وفرها رحيل الزعيم الافريقي التاريخي، لرفع اسهم رؤساء تلك الدول ومساعدة رؤساء الحكومات على تعويم انفسهم، بعد ان فرضت الازمات المالية والاقتصادية نفسها على المشهد الغربي وبعد ان بدأ النفوذ السياسي والتمدد الامبراطوري العسكري والاستخباراتي، بالتراجع ولو في شكل نسبي وراحت قوى اخرى ذات وزن في السياسة والجغرافيا والاقتصاد والقوة العسكرية بالبروز والتشكل وبات المشهد الدولي محسوماً لصالح عالم برؤوس متعددة وليس فقط منقاداً laquo;عنوةraquo; الى جدول الأعمال الذي يكتبه الامبريالي الاميركي... وحده.
كأن واشنطن وباريس وخصوصا لندن كانت على laquo;قطيعةraquo; مع نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا، وكأن نلسون مانديلا لم يكن على قائمة الارهابيين الذين تطاردهم المخابرات الاميركية وباقي الاجهزة الغربية وكأن مقاتلي حزب المؤتمر الوطني الافريقي كان يُنظر اليهم في العواصم الامبريالية كمقاتلين من اجل الحرية..


بل ثمة هناك من الاشخاص والمؤسسات مَنْ سيقع في وهم التصديق بان نظام الابارتهايد في جوهانسبرغ كان يصنع laquo;كلraquo; اسلحته وادوات القمع والتنكيل وقتل ابناء البلاد الاصليين ووضعهم في معازل وكانتونات laquo;سوداء صافيةraquo; ولا يستورد اي نوع من السلاح الذي تحتاجه احدى دول افريقيا المهمة كجنوب افريقيا، ولا يحتاج المرء هنا الا العودة الى الوثائق والمجلات المتخصصة في شؤون التسلح والدفاع، ليرى حجم الصفقات وفلكية الارقام التي كانت تعقدها جوهانسبرغ مع شركات السلاح الغربية، كما لا يحتاج المرء الى كبير عناء ليكتشف المدى الزمني الذي استغرقته عواصم الغرب laquo;المُتنوّرraquo; لفرض عقوبات على نظام الفصل العنصري، بل ان بريطانيا وخصوصا مارغريت تاتشر بكل ما تميزت به من غطرسة وعنصرية ودعم لنظام الفصل العنصري (او غض للنظر عن ارتكاباته وجرائمه ووحشيته) كانت تماطل وتراوغ وتتجنب اغضاب laquo;إخوتهاraquo; البيض في ذلك المكان القصي من جنوب القارة السوداء..
هل قلتم اسرائيل؟


هنا والان... يبرز حجم جريمة الغرب الامبريالي المنافق، عندما كان laquo;يصمتraquo; على نظام الفصل العنصري الصهيوني الذي انخرط في شراكة استراتيجية مع جوهانسبرغ إمدادا بالسلاح وتعاونا استخباريا وتنسيقا وخصوصا في مجال الذرة، حيث زود نظام الفصل العنصري laquo;نظيرهraquo; الصهيوني الاستيطاني الإحلالي، باليورانيوم والخبرات العلمية وأفسح له في المجال كي يقوم بتجاربه الصاروخية ذات الرؤوس النووية في صحارى البلاد، وتلك التي كانت خاضعة لاستعمار جنوب افريقيا في بوتسوانا وسويزيلاند.


اين من هنا؟


لم يُرفع اسم نلسون مانديلا عن قوائم الارهابيين الا في العام 2004، وللمصادفة فان الذي فعل ذلك هو مجرم الحرب الاكبر في القرن الحالي جورج دبليو بوش. اما كل ما يجري الآن من تأبين ورثاء لهذا المناضل الذي الحق الغرب الاستعماري به وبشعبه الظلم والقهر فليس سوى طقوس مزيفة وتكاذب يُتقن الغرب laquo;المتنورraquo; القيام به استغلالاً للمناسبات ومحاولة لغسل laquo;العارraquo; الذي الحقته اسطورة مانديلا ونضال شعب جنوب افريقيا، بما حاول المُستعْمِرون ترويجه من قيم مزيفة وحضارة لم تقم الا على الاستغلال والقتل وقهر الشعوب وسلب حريتها، كما فعل اجدادهم البيض عندما laquo;تاجرواraquo; بالرقيق laquo;الأسودraquo; واستغلوا طاقاتهم وعرقهم لبناء حضارتهم ولم يتورعوا - يا لوقاحتهم - عن نعتنا نحن شعوب العالم الثالث، بالتخلف والارهاب ونقص laquo;جيناتraquo; الذكاء والتكاسل.
المجد والخلود لنلسلون مانديلا .. وطوبى للمقهورين والمظلومين