سركيس نعوم

علاقة رئيس الجمهورية ميشال سليمان بالمملكة العربية السعودية مرت قبل بضعة أشهر ببرودة، عبّرت عنها القيادة الملكية بإرجاء زيارة إلى الرياض كانت مقررة له. طبعاً، لم يعترف quot;اللبناني الأولquot; بهذا الأمر، وبرّر محيطه للإعلام الإرجاء بالحال الصحية للملك عبدالله بن عبدالعزيز. وهو سبب قاله أيضاً لشخصية لبنانية مرموقة في اجتماع ضمهما لاحقاً. لكن ردها على ذلك أظهر عدم اقتناع به، إذ ردت الإرجاء إلى مواقف من quot;حزب اللهquot; وسلاحه أعلنها سليمان أكثر من مرة في تلك المرحلة، رأى فيها السعوديون ايجابية، هم الذين يعادونه لأسباب متنوعة أهمها كونه الذراع العسكرية الأمنية الأساسية لإيران التي تشكّل خطراً كبيراً عليهم في لبنان. ومنها أيضاً اشتراكه في قمع جيش نظام الأسد وميليشياته للثورة الشعبية على الأخير. طبعاً، أضافت الشخصية ان رئيس الجمهورية غيّر موقفه بعد ذلك بحيث صار أكثر ايجابية في نظر المملكة. ثم قالت له إنه إذا كان يريد تمديد ولايته، واذا كان يستمزج آراء الأفرقاء اللبنانيين المتنوعين والمتناقضين، فإنه سيخرج بانطباعات تفيد أن الرئيسين سعد الحريري وفؤاد السنيورة، أي quot;تيار المستقبلquot;، مع التمديد وان وليد بك جنبلاط قد لا يعارضه تلافياً للفراغ اذا تعذّر انتخاب رئيس جديد. لكن التمديد يحتاج لكي يمرّ إلى موافقة quot;حزب اللهquot; وفريق 8 آذار عموماً. وهذا أمر سيدفع شاغل الرئاسة والمحيطين به إلى الابتعاد عن انتقاده وعن المواقف السلبية منه. وإذا حصل ذلك فإن العربية السعودية ستشعر بالانزعاج. وربما ستشعر بالانزعاج نفسه دول غربية عدة كبرى معنية بلبنان وصاحبة دور مهم في استحقاقاته الرئاسية وخصوصاً التي منها مقبل في ربيع الـ2014. ومن شأن ذلك جعل مسؤوليها المُقرِّرين غير متحمسين للتمديد. وفي الموضوع الحكومي أعربت الشخصية السياسية اللبنانية المرموقة والمسؤولة نفسها عن اقتناعها بأن الرئيس المكلف تمام سلام سيعجز عن تأليف حكومة جديدة، وبأن شبه الإجماع على تكليفه كان عبئاً ثقيلاً لا عاملاً مساعداً له في مهمته، وبأن السعوديين ربما يحمّلونه مسؤولية فشل تمام بك، الذي رحبوا بتكليفه، إذ إنّه وبعد مدة قصيرة من التكليف طرح صيغة حكومية معينة تُرضي المملكة وحلفاءها اللبنانيين على الرئيس سليمان. لكن الأخير تردد في المواقفة عليها ثم رفضها، بعدما اوحى ان قبوله اياها أمر ممكن، متذرعاً برفض زعامات كثيرة لها في مقدمها الزعيم الدرزي الأبرز وليد جنبلاط. وهذا أمر أزعج السعودية.


لكن يبدو ان البرودة بين الرئيس سليمان والسعودية قد زالت، فزيارته لها تمّت أخيراً وكانت ناجحة. وحلفاؤها في لبنان وفي مقدمهم quot;تيار المستقبلquot; وليس فريق 14 آذار كله، يشيدون به على نحو يومي وخصوصاً بعدما تكاثرت مواقفه الانتقادية العلنية لـquot;حزب اللهquot;، وإن مغلّفة بتهذيب فائق، في مناسبات اجتماعية وسياسية بدأت تتكاثر. وهي قد تزداد تكاثراً مع اقتراب استحقاق الانتخابات الرئاسية. وصار بعضهم يجاهر بتأييد التمديد إذا كان الدافع إليه تلافي الفراغ، وتلافي بقاء لبنان تحت رحمة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي سُمّيت منذ تشكيلها حكومة quot;حزب اللهquot; وحكومة اللون الواحد. وقد تنامى هذا التأييد بعد مبادرة سليمان الى الدفاع عن المملكة العربية السعودية بعدما اتهمها الأمين العام لـquot;حزب اللهquot; السيد حسن نصرالله بالمسؤولية عن تفجيري السفارة الايرانية قبل أسابيع قليلة.
طبعاً، استشعر فريق 8 آذار بزعامة quot;حزب اللهquot; التحوُّل المفصَّل اعلاه في مواقف الرئيس سليمان فبدأ ينتقده مباشرة عبر تصريحات لعدد من قيادييه وعبر إعلامه. وقد نشرت quot;وسيلةquot; حليفة له السبت الماضي حديثاً خاصاً دار بينه وبين زائر له تضمن مواقف رئاسية أكثر ايجابية من السعودية من التي أعلنت حتى الآن. ويعني ذلك في اختصار ان quot;الحزبquot; غير المتحمِّس لتمديد ولايته بل الرافض له، وإن من دون إعلام رسمي، سوف يزداد تمسّكاً بموقفه لكنه لن يعلنه إلا في الوقت المناسب. طبعاً، ما نشر السبت الماضي صحيحاً مئة في المئة، لكن اللبنانيين وخصوصاً القراء ينتظرون توضيحات أو ربما نفياً، علماً أن ذلك لن يبدِّد شكوكهم لأسباب متنوعة لا مجال للخوض فيها.
في النهاية، لا بد من لفت اصحاب الطموحات الرئاسية (والتمديدية)، وبكل موضوعية، الى ان تحقيقها يحتاج إلى موافقة ناخبَين اقليميَّين هما السعودية وإيران المتصارعتان في لبنان وسوريا والمنطقة، إلا إذا تغلبت إحداهما على الأخرى.