بسام البدارين

درج صديقنا وزميلنا الأردني المبدع محمد فرحان كيساري جذري على إنتقاد من يسميهم بـ{حملة الأباريق} وهو وصف ينفقه صاحبنا عندما يتعلق الأمر بسعيه لإنتقاد الإسلاميين وتحديدا الأخوان المسلمين.
مقابل هؤلاء برز مؤخرا في الأردن {حملة المسدسات} داخل قبة البرلمان ...شتان طبعا بين الإبريق المخصص للوضوء والطهارة والمسدس الذي يحضر على خصر صاحبه في بيت الأمة وتمثيل الشعب لأغراض الإستعراض.
حمل مسدس من حيث المبدأ في دولة تتحدث عن الإصلاح والقانون والمؤسسات وفي أي مكان سلوك لا يمكنه أن يكون إلا بدائيا ودليلا على التخلف.
بالنسبة لي التباين ملموس ومحدد فحملة الأباريق قد نلاحظ عليهم أو نختلف معهم بأي طريقة وأي موضوع.
لكن لا أتخيل الشيخ زكي بني إرشيد لو كان عضوا في البرلمان يحمل مسدسا ويلوح به أو حتى يطلق تهمة الفساد على رئيس الوزراء جزافا وبدون دليل أو تقصي أو تحقيق أو يشتم أحدا أو يتنابز معه بالألقاب فالإقليمية والجهوية {كفر} في أدبيات الأخوان المسلمين كما يقول الشيخ مراد العضايلة.
ولا أتخيل الشيخ الجليل حمزة منصور يتقافز بين المقاعد ويدوس الطاولات والمايكروفونات المخصصة للتحدث بإسم الشعب مطلقا عنان الصراخ والعبارات الجارحة وكأنه في مقهى رصيف أو سوق خضار وليس تحت قبة برلمان أقسم للتو على إحترام تقاليده.
ما يفعله عضايلة وإرشيد او منصور لو كان أحدهم في البرلمان بسيطا للغاية: يناقش بأدب وأخلاق ويتخذ موقفا سياسيا واضحا ومحددا من أي قضية ويعرضها بدون شتائم أو معلبات إتهامية ولا يقدم إتهاما بدون دليل أو وثيقة ويتخذ موقفا جماعيا لا يتقلب أو يتحول في اللحظة الأخيرة.
إختلفنا مع الأخوان المسلمين أو إتفقنا فهم شئنا أم أبينا خصوم شرفاء منضبطون لديهم نص موحد يمكن محاكمته أو منافسته أو تقويضه بأدوات سلمية وهادئة وناعمة وضمن شروط لعب {نظيفة } تماما.
أعجبنا الأمر أم لم يعجبنا: سيهزمنا زكي بني إرشيد لو كان تحت قبة البرلمان في معركة سياسية من أجل تشريع ..سنهزمه في أخرى ..يحرجنا ونحرجه سياسيا ولا يجرحنا أو يجرح الوطن أو نجرحه.
حملة الأباريق لديهم مؤسسات ومرجعيات ونصوص ومجالس شورى يمكن العودة لها ..لا يمكنك الإمساك بأي منهم يحمل مسدسا تحت قبة برلمان أو خلال حوار تلفزيوني..لا يمكنك إطلاقا العثور على أخ مسلم في مكان غير لائق أو على صداقة مع تاجر سلاح أو تاجر بالقانون والعدالة والمال السياسي والرشوة الإنتخابية ..ولا يستخدم من يحمل إبريقا للوضوء يده أو رجله أو احذيته في الإعتداء على الأخرين خصوصا بعد حوار سياسي علني له علاقة بعملية تشريع.
شئنا ام أبينا حملة أباريق الوضوء يختلفون معنا ويتعاركون معنا بالفكر والسياسة وإستقطاب الشارع ويمكن للنظام في أي لحظة الإتفاق معهم بدون تخوين وإستعراض عضلات وإظهار مسدسات أو ذهنية عشائرية مناطقية جهوية تعبر عن أسوأ ما في الإنسان والمواطن من عصبية مقيتة.
الأخ المسلم أو حتى عضو البرلمان المسيس الحزبي يحترم ذاته وشعبه والدولة وأجهزتها فلا يفتري ولا يتجاوز قواعد اللعبة ويحفظ دروسه جيدا ويلعب ضد النظام والدولة بمهنية وضمن قواعد سلوك يمكن مراقبتها جيدا بدون لف أو دوران او هتافات سخيفة بدائية لا تنتمي للعصر الحديث.
عضو البرلمان المسيس يطرح برنامجا أمام جمهور الناخبين ينتخب على أساسه ويحاكمه الناس ويقبل الهزيمة سياسيا كما يسعى للإنتصار لكنه بكل الأحوال لن يسعى لإحراج عجوز يحمل صفة رئيس وزراء بألفاظ نابية أو إتهامات باطلة بلا دليل ويمكنك الإستعداد لإقصائه وإبعاده في الإنتخابات المقبلة بطريقة ذكية وناعمة وغير مكلفة وطنيا ولا تسحب من رصيد النظام ما تبقى.
من يسحبون من رصيد النظام ـ أي نظام وفي أي مكان- هم حملة المسدسات الذين يدخلون فيها قبة البرلمان وعملية التشريع بدون رقيب أو حسيب أو حتى سؤال وخلافا لكل الأعراف والتقاليد والأخلاقيات البرلمانية وخلافا حتى للدستور وللقانون وعلى أعين رجال ومؤسسات الأمن وحراس الدستور.
ومن يجهزون على ما تبقى من روائح المصداقية لأجهزة الدولة والنظام والشرعية هم الشبيحة والبلطجية الذين يستخدمون الأذرع والمسدسات والهراوات بدعوى الدفاع عن النظام والملك وأولئك الذين تخذلهم عقولهم فيميليون لإستخدام الأيدي والأرجل والأحذية أو يمنحون بإسم العدل ووزارته بعض بلطجية الإعلام مذكرات منع محاكمة خلافا للقانون.
لا يوجد مستقبل من أي نوع لنظام يصرعلى{ تكريم} رموز الإنحراف عن القانون أو يسمح بتهديد أقطاب معارضة راشدة ساهمت في بناء وتثبيت إستقرار المجتمع والدولة لنصف قرن من قبل بعض الموتورين وفي ساحات سيادية يفترض أن تمثل جميع الأردنيين.
لا يوجد مستقبل لديمقراطية يغض رئيس برلمانها النظر عن وجود 32 مسدسا في جيوب زملائه النواب تحت القبة أو يسمح نظام عدالتها بوجود أسلحة مذخرة بالرصاص فعلا ترصدها الكاميرات وتبرز تحت السترات في إستعراض مخجل ومؤسف في غير مكانه ولا زمانه للجهل والتخلف والرجعية.
من يقامرون بسمعة الأردن ومصالحه الوطنية العليا وسيادته والإستثمار الأجنبي فيه ودعم إقتصاد بلاده ليسوا المعارضين المسيسيين المنهجيين الذين يقصيهم قانون إنتخاب متخلف بل من يمارسون إدعاء {الموالاة} وتأييد النظام وتصرف لهم الألقاب والرواتب والوظائف في الكواليس ويتم إمتداحهم سرا وعلنا للقيام بوظيفة {غفارة أمنية} محددة بائسة ولا معنى لها قوامها التصدي للمعارضة وللشعب وللحراك بإسم الولاء في دولة تحكم منذ 95 عاما ولا يوجد فيها ولو طفل واحد يطرح أسئلة بإسم الشرعية.
أسهل خطوة دوما هي إستخدام اليد والحذاء والمسدس بإسم {الموالاة} والأصعب بكل الأحوال إستعمال العقل والمنطق والحجة خصوصا في بلد يتميز بأن قائده الأعلى يصدر أوراقا ويطرحها على الناس للنقاش ويطالب بالإعتراض أو الملاحظة عليها أو في بلد أبلغ رئيس وزرائه وليس أحد معارضي نظامه الشعب بوجود فساد كبير في ملف التخاصية.
ظهور المسدسات بصورة مخجلة مجددا تحت قبة البرلمان الأردني مشهد مؤلم ومؤذ وسينتهي بلقطات فيديو تبث في ألاف المحطات الفضائية في القارات الخمس وفي ملايين المواقع ووسائل الإتصال في فضيحة {كونية} على مرأى العالم تحصل فقط لان جنرالات السياسة والحكم والدولة يخفقون في إقناع ليس إجبار- ولو عضو واحد في البرلمان بأن حمل المسدس تحت القبة ليس مطلوبا أو مفيدا ويشوه سمعة البلاد ويكرهه سيدها، ولان رئاسة البرلمان لا تريد خوفا من حسابات غامضة إعمال نصوص العزل في النظام الداخلي.
لدينا تجربة تثبت هذا الكلام فالمشهد الذي ظهر فيه عضو بالبرلمان السابق على شاشة فضائية جوسات يلوح بمسدسه ردا على مداخلة حوارية لأحد المعارضين بثته أكثر من 2300 محطة فضائية في القارات الخمس وشاهده أو قرأ عنه أحد ما في اليابان وأستراليا والمكسيك والبرازيل.
مثل هذه المشاهد المخجلة تمثل زورا وبهتانا شعب الأردن المتحضر الراقي الذي يمثل في سلوكه اليومي أشرف وأنبل ما في قيم العشيرة والمجتمع حيث التسامح والتسامي ومصافحة السفيه وترك صغائر الأمور والعفو عند المقدرة والإصغاء لحجة الآخر والتحاور بالحق والنطق بالحقيقة والعدالة وإغاثة الملهوف وتجاوز جهلاء القوم.
العشيرة والقبيلة أنبل من أن تختزل في مسدس وأطهر من أن تلوكها هتافات مريضة يطلقها مجازفون ومغامرون خرجوا للتو من مراكز التوقيف ودفعهم أحد ما للشارع بإسم الولاء والنظام منهم براء.
مشهد المسدسات المكررنتيجة طبيعية بكل الأحوال لظاهرة أسوأ تمثلت في تقديم هدايا هي عبارة عن أسلحة ومسدسات بإسم الدولة والنظام والكبار لنخبة من البرلمانيين بين الحين والأخر.
قبل ذلك هو منتج لقانون إنتخاب لا معنى له ولإنتخابات نظمت بدون توافق ولإحتفالية جاهلة رعناء رصدت بحصول إنتخابات بدون إسلاميين ومعارضين وبوجود تمثيل بائس إضافي لبعض الفئات الإجتماعية وللنساء وعلى أساس وجود نسخة {تايواني} من الأخوان المسلمين.
سؤالي بسيط ومباشر وصغير: أيهما أكثر ضمانة لأمن النظام والدولة والمجتمع ..حامل إبريق وضوء يخشى ألله والرسول في المجتمع والناس والزرع والضرع فيعارض ويناكف ويساجل ضمن قواعد اللعب النظيف أم حملة مسدسات سيلتهمون معهم بعد الإستعراضات السخيفة الأخضر واليابس وسيرفعونها يوما لا محالة بوجه النظام عندما تتوقف الإمتيازات والعطايا؟
طبعا بإمكان صديقنا وعزيزنا الكاتب والناقد محمد فرحان الإجابة.