عبدالعزيز التويجري

حالة القلق الشديد التي تسود المنطقة في هذه المرحلة نتيجةً لما يجري في سورية من مآسٍ وجرائم ضد الإنسانية في ظل اصطفاف طائفي مقيت وأطماع توسعية لقوى إقليمية مدفوعةٍ بعقائد متطرفةٍ وأوهامٍ مضللةٍ، ولما يتفاعل من أحداث مضطربة في أكثر من بلد من بلدان المنطقة، ينبغي أن تدفعنا إلى التفكير جدياً في ما يمكن أن تقود إليه هذه الفوضى الهدامة من تعطيل لجهود البناء والتطور وإغراقٍ في لجج الخلافات والتناحر والهدم لإفشال بناء المستقبل للأجيال القادمة من النواحي كافة، والحيلولة دون الاهتمام بإيجاد الحلول العلمية الملائمة للمشاكل القائمة في مستوياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وغلّ أيدينا عن الحركة لنراوح مكاننا لا نتقدم نحو الأمام لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ولتصحيح ما إلى تصحيحه من سبيل، ولتقويم ما اعوجّ وترشيد ما انحرف من شؤوننا العامة، تداركاً لما ضاع من فرص ثمينة للبناء والنماء على شتى الصعد طيلة العقود الأخيرة، وليس خلال السنوات القليلة الماضية فحسب؛ لأن حالة التفكك والتناحر تلازمنا، نحن العرب، منذ العقد الخامس من القرن الماضي، حين راجت بضاعة الشعارات التي خدّرت الشعوب ودغدغت عواطفها.

إن هذه الحالة من القلق المزعج ومن الإحساس المؤلم بالارتباك ومن الشعور بالحيرة الذي يستبد بكثير من الناس، لن تكون حاجزاً أمام الانطلاق في ميادين التغيير الإيجابي الشامل والمتكامل والمتوازن، ولكن بالمنهج العلمي الصحيح الذي يعتمده العقلاء للخروج من الأزمات وللتغلب على الصعوبات ولإيجاد الحلول العملية للمشاكل القائمة، بالتعامل معها بمنتهى الصراحة والشفافية وعدم السعي إلى إخفائها أو تغييبها أو التهوين والتقليل من شأنها لخداع الشعوب وللالتفاف حول مطالبها المحقّة، تجنبا لما قد يترتب على الاعتراف بها والإقرار بوجودها من مضاعفات تزعج القائمين على شؤون العباد والبلاد.

ولا بد من أن نطرح سؤالاً في هذا السياق: هل سيظل العرب والمسلمون بصورة عامة، محاصرين داخل هذه الدائرة الضيقة، يتابعون في فزع ما يجري على الأرض من أحداث مدمرة مروعة في سورية وفتن متلاطمة في لبنان والعراق واليمن وأفغانستان والصومال، ويراقبون في ذعر ما يقع من توترات وقلاقل تحركها أصابع مغرضة في البحرين ومصر وليبيا وتونس ومالي وباكستان وغيرها من دول العالم الإسلامي، إلى زمن غير معلوم؟ إن هذه الأوضاع المتردية لها انعكاسات سيئة على الحياة العامة في العالم العربي الإسلامي ولها تأثيراتها ومضارها على الجهود التي من المفترض أن تكون قائمة للإصلاح.

منذ احتلال صدام حسين دولة الكويت، وما أعقب هذا الغزو الإجرامي من حرب ضروس كان من نتائجها المدمرة الاحتلال الأميركي للعراق، والمنطقة العربية تمور وتضطرب، والعرب والمسلمون عموماً، ضحية الأطماع الخارجية التي تجد ركائز لها لدى بعض الحكام، كبشار الأسد الذي يوغل في قتل شعبه، فهو يلقى الحماية من إسرائيل قبل روسيا وإيران والولايات المتحدة أيضاً، على رغم أن بقاءه في الحكم يمثل تهديداً للأمن الدولي بما لا شك فيه، وهو الأمر الذي يستوجب، ومن منظور القانون الدولي، اللجوء إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. ولكن القوى العظمى تتعارض مصالحها على الأرض العربية مع اللجوء إلى الفصل السابع، فتحول دون تغيير النظام الطائفي الاستبدادي في دمشق. أليس في هذا التواطؤ المريب على بقاء النظام المستبد الذي يرتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ما يشكل دليلاً منطقياً وعملياً على وجود تآمر على العرب؟

إنهم لا يريدون أن تنتظم جهود التنمية الشاملة المستدامة، وأن تتفرغ الدول لمعالجة المشاكل وإيجاد حلول لها. بل هم يريدون لهذه المشاكل أن تتفاقم وأن تشكل خطراً على الاستقرار وعلى السلم الأهلي. ويسعون بطرق شتى لتأليب الشعوب في الدول المستقرّة على حكامها، ولتأجيج النزعات العرقية والطائفية والانفصالية بالوسائل المتوافرة لديهم، حتى تظل المنطقة في غليان شديد، مما يتيح لإسرائيل خصوصاً، الفرصَ التي تحلم بها، لتصول وتجول، ولتتمدد في ما تبقى من الأرض الفلسطينية.

وفي كل الأحوال، تظل المنطقة العربية في اضطراب مستمر، وفي فوضى هدّامة لا يعرف أحد نهاية لها، وفي قلق يحجب الرؤية ويضعف الإرادة ويحول دون العمل لإصلاح الأوضاع بما يحقق مطالب الشعوب ويضمن الأمن والاستقرار والسلم الأهلي، ويوفر الأسباب لبناء التنمية الشاملة المستدامة باعتبارها المدخل إلى النهضة الحضارية التي ينبغي أن تكون الهدف الأساس في المشروع الحضاري العربي الإسلامي في الحاضر وفي المستقبل.

لقد نجح هؤلاء الذين يعاكسون حركة التاريخ ويصادرون حقَّ الشعوب العربية الإسلامية في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والعيش في ظل الحكم الرشيد واحترام حقوق الإنسان، في عزل فئات مهمة من المجتمع وإبعادها من الاهتمام بالمشاركة في البحث عن حلول للمشاكل وعن مخارج من الأزمات، ومنها النخب الفكرية والعلمية والثقافية التي تراجع دورها في تطوير المجتمع، وفي دعم التنمية، وفي إبعاد الخطر عن المنطقة، وذلك لاستغراقها في متابعة ما يجري في نوع من الذهول عن الواقع المعيش، وفي إضاعة الوقت وهدر الطاقات في مناقشات ليست لها صلة بالهموم التي تعاني منها الشعوب.

إن ما يجري في منطقتنا العربية الإسلامية خطير جداً، فهل من مدرك؟