علي سعد الموسى

تذكرت بالأمس، وأنا أقرأ آخر قصائد الأمير الشاعر، خالد الفيصل، عن فارس الوقت أن هذا الوطن الكبير بدأ رحلة الحياة ذات فجر بعيد قبل أكثر من قرن من الزمن على مجرد همم أربعين رجلا ولكن: بقائد استثنائي حقيقي.
لم يكن بين كل الأربعين، وحول الإمام الكبير، شيخ قبيلة ولا داعية علم ولا أستاذ جامعة ولا حتى مجرد كسر عشري من مؤهلات (تكنوقراط) فيما نظن بالوهم أن هذه الألقاب والصفات بالضرورة شروط لبناء وطن وقيام أمة. فرسان الوقت بكل براهن التاريخ هم (صانعو) الإرادة لا صانعي الألقاب والمؤهلات والشهادات. ومن البراهين أيضا، وفيما قرأت، أن (إمامنا) الموحد يشترك في سمة واحدة مع عبدالرحمن الداخل وجورج واشنطن وجواهر لال نهرو: كل هؤلاء الذين كتبوا السطر الأول من تاريخ شعوبهم لا يحملون شهادة نظامية، وبجوار الإرادة والطموح، فكلهم بالصفة المشتركة على المؤهل الأساس من القدرة على القراءة والكتابة.

ولكن: ما الذي فعله (فرسان الوقت) مع عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل: نقلوا أمة كاملة من الشتات إلى الوحدة. من الخوف للأمان. ومن الفقر الطاحن إلى قائمة اقتصاد أعلى العشرين. وكنت طالبا جامعيا مراهقا يوم استضافت جامعة الملك سعود، واحدا من آخر الأحياء من هؤلاء الأربعين الذين رسموا على الرمال فجر هذه الأمة قبل قرن من الزمن وأتذكر تماما أنه البطل الذي لم يكن يعرف كيف يتحدث: ولكنه الرجل الذي كان يفعل ويعمل.
تبرهن قصة الإمام الكبير مع فرسان وقته، أن كل الأوقات وكل الشعوب والدول ليست بحاجة لأكثر من أربعين إرادة وكل ما فوق هذا وزن زائد على الحمولة. كم نحن اليوم بحاجة إلى مجرد أربعين رجلا فيما لدينا أربعة ملايين موظف في القطاعين. كم نحن بحاجة إلى أربعين بطلا يرفعون الأعلام ويكتمون الأسرار ويكتبون على جباههم خريطة وطن مكتملة بلا إقصاء أو تمييز. برهان الفجر الأول يكفي للقول إن مجرد أربعين إرادة حقيقية تكفي لبناء وطن وكتابة تاريخ شعب. هؤلاء الآباء المؤسسون يكتبون لنا اليوم أعظم رسالة للعبرة والتأمل: بناء الأمم ببراهين التاريخ، لا يحتاج لأكثر من أربعين بطلا وإرادة.