حمد الماجد

تصريح رئيس تحرير «الأهرام» المثير حول «عاصفة الحزم»، ووصفه لها من طرف واضح وليس خفيا، بأنها اعتداء على اليمن، وهدم للمستشفيات والمدارس والمعالم الحضارية والتاريخية، رأي تجاوز الخطوط الحمراء، وكنا سنبلع على مضض قبول رأيه في إحجام مصر عن المشاركة القتالية في «عاصفة الحزم» مع حاجة السعودية للثقل المصري العسكري، من باب أن هذا رأي رئيس التحرير في موازنة المصالح والمفاسد في المشاركة المصرية العسكرية، لكن أن يسمي حرب السعودية الدفاعية ضد التغلغل الإيراني في جزيرتنا العربية عدوانًا فهو العدوان ذاته من شقيقة كنا نظن أنه لا يفصل بيننا وبين مشاركتها إلا «مسافة السكة»، وهذه الفكرة لا يتبناها رئيس تحرير «الأهرام» فحسب، بل معه ثلة من مقدمي البرامج الحوارية الفضائية المصرية وكتاب الرأي.


يكاد المرء يتميز من الغيظ حين يرى عددًا من الكتاب والمثقفين العرب وقد تاهت بوصلتهم عن إدراك الخطر الإيراني، عفوًا، هو ليس خطرًا محدقًا، بل عدوان حل فعلاً بساحة العرب، فإيران تحتل العراق وتسيطر على سوريا وتهيمن على لبنان من خلال حزب الله الذي يملك جيشًا عقائديًا يفوق عدده عدد الجيش اللبناني، ثم التفت إيران مؤخرًا على خاصرة الجزيرة العربية لتحتل اليمن احتلالاً صريحًا، في طريقها للسيطرة على دول الخليج العربي، والمؤلم أن هؤلاء الكتاب والإعلاميين يرددون وهم لا يفقهون: إننا تورطنا في حرب طائفية كان الأولى أن ننأى بأنفسنا عنها.


أكاد لا أصدق أن هؤلاء الكتاب العرب بما يملكون من مراكز دراسات استراتيجية وبحثية لا يعرفون أن إيران «الطائفية» تشتغل في العراق وفي سوريا على مسارين: مسار عسكري لبسط نفوذها من خلال الميليشيات العقائدية التي تعمل على التغيير الديموغرافي بالتصفية الطائفية أو بالتهجير، وهذه الملايين التي نزحت من سوريا تعمل إيران جاهدة على إحلال الشيعة محلهم، بعد أن عملت بهدوء على «جعفرة» العلويين، أقصد تحويل العلويين إلى المذهب الشيعي الجعفري، وذلك منذ أن تأسس الحلف الطائفي الأزلي بين إيران ونظام بشار بداية الثمانينات الميلادية، ثم تحولت إلى «جعفرة» بعض الزيديين في اليمن منذ أكثر من ثلاثين عاما عبر فرقة الجارودية وهي التي ينتمي لها الحوثيون، وهي فرقة زيدية متشددة والأقرب للمذهب الجعفري الاثنى عشري.


أطرح على زملائنا المصريين، إعلاميين وكتابًا، ممن يريدوننا أن نسكت عن التغلغل الإيراني في منطقتنا وتهديدها لكياناتنا باسم مناوأة الطائفية تساؤلاً «فرضيًا»: ماذا لو أن إيران أمدت بعض الذين تشيعوا في ليبيا بالعتاد والسلاح النوعي، وبدأت ميليشيات الشيعة «المؤدلجة» باحتلال المدن المتاخمة للحدود المصرية، ثم سيطرت على بنغازي لتواصل زحفها نحو العاصمة طرابلس؟ وفعلت إيران ذات الشيء مع ميليشيات الشيعة شمال السودان التي سيطرت على عدد من المدن والبلدات السودانية المتاخمة لمصر، ومع كل احتلال للمدن والبلدات السودانية تعمل هذه الميليشيات على مسارين: تهجير السنة من قراهم أو التبشير بالمذهب الجعفري الاثنى عشري الشيعي بين السودانيين السنة؟ بل شاغلت إيران مصر عبر بعض المصريين الشيعة ممن يطالب باستقلال سيادي لمناطق الشيعة في مصر، فهل يعقل أن مصر ستسكت عن الحراك الطائفي الإيراني باسم عدم التورط في صراع طائفي؟ وهل ستقبل مصر أن يتهمها أحد بالطائفية، لأنها درأت عن نفسها الخطر الذي يهدد كيانها ووحدتها المذهبية ويتلاعب بالديموغرافية المذهبية في الدول المجاورة لها؟
&