رشيد الخيّون

كتبتُ كثيراً عن الفساد والنزاهة، وأعلم أن الفاسدين الأكثر فائدة مِن الديمقراطية، وديمقراطيتهم: لكم حرية الكلام حتى صار الكلام عن الفساد دليلاً على ديمقراطيتهم.

أُذكر ببعض عناوين كتبتها في هذا الشأن: «الفساد بحاجة لقَافَة أَثر»! «فساد الوزير الخاقاني»، «جحافل الفاسدين جرارة»! «البقاء للأفسد»، «الفساد مِن شيم الجراد»، «الإثراء غير المشروع»، «يوم غنت عفيفة مِن أين لك هذا» وهذا المقال ليس الأخير، فالكلام استنزف، والجواهري (ت 1997) يسبق إلى وصف الحال: «ألم ترَ أن الشّعبَ جلُ حقوقه/ هي اليوم للأفراد متلكاتُ»؟!

&


بلا ريب، إن الفساد والإرهاب ملفان متلازمان، ولو حصل أن نُظفت البلاد مِن الإرهاب فسيدخل من باب الفساد؛ يعود لحماية الفاسدين، فأحد أعذار الإرهاب هذا الفساد الطاغي، الذي يصعب تخيله، سئل أحد السياسيين من الذين كانوا يعيشون على المساعدة الأوروبية: مِن أين لك أسست حزباً له مئات الفروع، وأنشأت فضائية، وقصراً منيفاً وبيوتاً وأملاكاً خارج البلاد، هل هذا من راتبك؟ أجاب: إنه مِن التبرعات! وإذا صدقنا أن هذه الأموال تبرعات أهل (الخير)، فلماذا لم يتبرع لك المتبرعون عندما كنت تعيش على المساعدة، وكمريض عقلي؟ والسُّؤال الآخر كيف لمريض عقلي يتبوأ مناصب خطيرة في الدولة العراقية؟! وإذا كانت حيلة وكذب فكيف لمنتسب لحزب ديني ويصلي بالنَّاس ويعظهم يمارس الخديعة؟ هذا مثال لعينة واسعة.

ترتبط هذه المقدمة بهيئة النَّزاهة، التي مِن المفروض أن تكون مستقلة لا حزبية، وهي التي تأسست عام 2004 بقرار الحاكم الأميركي (2003-2004)، على أنها مستقلة لا تخضع لرئاسة الوزراء، وكذلك البنك المركزي ناهيك عن القضاء.

فحسب المادة (99) مِن الدُّستور العراقي 2005: «تُعد المفوضية العليا لحقوق الإنسان، والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات، وهيئة النزاهة، هيئات مستقلة، تخضع لرقابة مجلس النواب»،لكن ترهل القضاء وتسييسه أبطل المادة الدستورية، وأفتى بإلحاقها برئيس الوزراء، بعد أن حاول أعضاء في البرلمان الاعتراض، فصار التلاعب برؤسائها، وقصة محافظ البنك المركزي سنان الشبيبي معروفة، فقد صدر قرار إلقاء القبض بحقه(2012) ثم حكمه القضاء غيابياً بدسيسة وبعد زوال المؤثر بمجيء حيدر العبادي رئيساً للوزراء برأه القضاء نفسه 2014، ولكم الحكم تشوه القضاء.

أقدم رئيس الوزراء في 6 /4/ 2015 على تعيين حسن الياسري رئيساً لهيئة النزاهة بالوكالة، وليس هناك ما يعترض به على الياسري، كسلوك أو تاريخ في الفساد إلى غير ذلك، لكن الاعتراض على حزبيته، كونه محسوباً على حزب، فكيف لحزبي يترأس السلطة التنفيذية يتولى منصب مكافحة الفساد، وأن أعضاء في الحزب خاضعين للاستجواب، وقضية وزارة التجارة مشهورة، ومِن حق الآخرين طرح السؤال: هل يمكن للياسري استجواب وزراء حزبه، أو أمين الحزب نفسه، ففترته كانت ملأى بالمحسوبية الأسرية والخروقات المالية؟ ليس حزبه فقط، بل يُشك أن يستجوب الإسلاميين كافة، بمبرر ديني وتعاطف جهادي.

عندما نقول الفساد بحماية الإسلاميين، ليس هذا يعني أن غيرهم ليس فاسداً، فالعديد مِن الشخصيات غير الإسلامية، كردية وعربية وغيرها، تناقلت أخبار عن فساد في وزاراتهم ودوائرهم، والمفروض أن مِن مهام هيئة النزاهة كشف الملفات، وإلا ما معنى وجودها مِن الأساس، وهنا يحتاج لهذه الهيأة شخصية حقوقية مستقلة، بعيدة عن المناخات السياسية، لكن أن يعين حزبي ومِن حزب رئاسة الوزراء رئيساً يعني هذا «فيك الخصام وأنت الخصم والحكم»! وبهذا لا يقترب مِن الملفات الكبيرة.

كان القرار بادرة غير مرضية في حكومة العبادي، فمِن قبل سنوات لو كان حزبه، وبيده السلطة التنفيذية ويسيطر على الهيئات المستقلة ومنها النَّزاهة؛ جاداً في محاربة الفساد لتقدم ولو خطوة واحدة.

بلاشك أن الصرف المالي ذو الأرقام الضخمة بيد الإسلاميين، والهيئات المستقلة بيدهم أيضاً، وحتى رؤساء النزاهة السابقين، من أراد عمل شيء ما، اصطدم بفسادهم، وأعفي أو هُدد، لا نعمم، لكن الحال الغالبة تبدو هكذا، إذن مَن يحمي الفساد؟ أتعلمون أن المليارات التي غيبها الفاسدون تبني أكثر عراق مضاعف، ولكلِّ مواطن يكون له عيشه الرَّغيد وزهوه ببلاده.

هنا يأتي نظم الرُّصافي (ت 1945) معبراً: «لقد طوحتني في البلاد مضاعا/ طوائحُ جاءت بالخطوبِ تباعا/ وما أنسى لا أنسى المياه بدجلةَ/ وإن هي تجري في العراق ضياعا/ ولو أنها تُسقي العِراق لما رَمت/ به الشَّمسُ إلا في الجنان شماعا»، فكم تتحملون مِن السِّحت أيها الإسلاميون، قبل غيركم، ففسادكم مضاعف لجرأتكم على الدِّين والمواطن.
&