&سها حشمت

&

&

&

&

&


&

&

مرت سنة على وصول عبدالفتاح السيسي إلى مقعد الرئاسة في قصر الاتحادية بعد إقصاء جماعة «الإخوان» التي أممت السياسة الخارجية للقاهرة لمصلحة عواصم بعينها، وفي الصدارة منها أنقرة والدوحة.

ومع صعود السيسي شهدت السياسة الخارجية لمصر تحولات تجاه دوائرها الإقليمية والدولية، وخصوصاً بعض دول شرق المتوسط والدول الخليجية، فضلاً عن توطيد العلاقة مع موسكو في مقابل سكونها مع واشنطن والغرب.

وتكشف السياقات السياسية والمجتمعية عن دور مختلف للسياسة الخارجية المصرية، فبعد أن ظلت العلاقة تعتمد على المصالح المباشرة والآنية وتفتقر إلى الاستمرارية والموضوعية، أضحت المصلحة هي العنوان الأبرز حتى مع بعض القوى المناهضة لما حدث في 3 تموز (يوليو) وفي مقدمها أنقرة.

وتنطلق الرؤية المصرية في نظرتها الخارجية من مرتكزات يعتمد عليها صانع القرار المصري في اتخاذ قراراته، وفي مقدمها الفوائد الاقتصادية، إذ تبقى البراغماتية هي العامل الرئيسي الحاكم لعملية صنع القرار.

انتقلت القاهرة من حالة السكون إلى الاندفاع في السياسة الخارجية دفاعاً عن مصالحها، وكشفت عن ذلك مؤشرات عدة، أولها توطيد العلاقة مع القارة الأفريقية العمق الاستراتيجي لمصر، والوصول إلى تهدئة أزمة سد النهضة وتسكين أوجاع العلاقة مع السودان وقطاع واسع من دول حوض النيل. وثانيها ترسيخ علاقات الشراكة والتعاون مع دول الخليج، خصوصاً الرياض وأبو ظبي والكويت والمنامة، فثمة مصالح سياسية اقتصادية مشتركة بينها ناهيك عن هواجس استراتيجية أمنية مشتركة تتلاقى على عتبة التمدد الإيراني وتصاعد مخاطر الحوثيين، إضافة إلى الأزمة في سورية وتداعياتها على المنطقة. وتبدو العلاقة عضوية لا فكاك منها بين القاهرة والخليج، فمن جهتها تعتمد القاهرة على الدعم المالي الخليجي للخروج من أزمتها الاقتصادية، بينما يظل الخليج في حاجة إلى مصر باعتبارها عمقاً استراتيجياً في مواجهة الاحتقانات الإقليمية ومخاطر النفوذ الإيراني.

في المقابل شهد العام الأول من حكم السيسي تحريك المياه الراكدة في شأن ترسيم الحدود البحرية مع اليونان وقبرص. ووقعت مصر وقبرص واليونان في 29 نيسان (أبريل) الماضي على إعلان نيقوسيا الذي تضمن الالتزام بتعبئة كل القدرات لدعم المصالح المشتركة من خلال آلية التشاور الثلاثية، التي تجتمع بانتظام على مختلف المستويات بهدف العمل على إطلاق الإمكانات الكاملة للمنطقة، خصوصاً بعد اكتشاف احتياطات مهمة من النفط والغاز في شرق البحر المتوسط ستكون حافزاً للتعاون الإقليمي.

وكشفت الاتفاقات الموقعة بين القاهرة من جهة واليونان وقبرص من جهة ثانية عن مناخات الود، وذلك خلافاً لما كانت عليه الحال في العام 2012، وربما يشهد المستقبل فرصاً أوسع للتعاون إذا نجحت القاهرة في تعديل حدودها البحرية الموقعة مع قبرص في العام 2004، وتعديل اتفاق ترسيم الحدود الموقع في العام 2010 بين قبرص وإسرائيل، بما يتضمن اقتسام التنقيب عن الغاز في حقل «ليفياثان» الواقع تحت السيطرة الإسرائيلية وحقل «أفروديت» الواقع تحت السيطرة القبرصية.

وفي مقابل التطور الحاصل في علاقة القاهرة مع الدائرة الخليجية ودول شرق المتوسط، إضافة إلى الدائرة العربية في ظل تنامي جهود التعاون لمكافحة الإرهاب وحل الأزمات الإقليمية، فقد دخلت العلاقات المصرية - التركية مناخ الشحن، ووصلت الذروة بعد إحالة الرئيس المعزول محمد مرسي وعدد من قادة الجماعة على المفتي لاستطلاع رأيه في إعدامهم. يتصل بذلك التصريحات الرسمية الخشنة التي يطلقها رجب طيب أردوغان طول الوقت ضد حكومة القاهرة، وإصراره على وصف ما حدث في 30 حزيران (يونيو) بالانقلاب على سلطة شرعية منتخبة.

وإذا كان سلوك تركيا يكشف عن ارتباكها إزاء قضايا الإقليم وتطوراته في مقابل نجاح القاهرة في إعادة تركيب علاقاتها الإقليمية والدولية طوال العام الماضي، بما يخدم مصالحها ويعزز وجودها الإقليمي في المنطقة، فإن القاهرة لم تغلق الباب أمام أي جهود لتسوية التوتر مع أنقرة، إذ يرفع السيسي شعار «التعاون مع الجميع» و «بناء إقليم أكثر رفاهية».

على الضفة الأخرى شهدت السياسة الخارجية لمصر تطوراً لافتاً في ما يخص العلاقة مع موسكو باتجاه توطيدها وعودتها إلى ما كانت عليه زمن عبد الناصر، وكان بارزاً، هنا، زيارة الرئيس الروسي للقاهرة في التاسع من شباط (فبراير) الماضي، وهي الزيارة الرسمية الأولى لرئيس روسي منذ 6 سنوات.

وتبدو العلاقة بين القاهرة وموسكو مرشحة لمزيد من التقدم، خصوصاً أن روسيا ترى أن مصر في عهد السيسي «يمكن أن تكون حليفاً مهماً لها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إذا سقط النظام السوري الراهن. كما شهدت العلاقة الاقتصادية قفزة نوعية، إذ شهد حجم التبادل التجاري بين القاهرة وموسكو في العام 2014 طفرة نوعية مقارنة بالعام 2013 إذ كان معدل التبادل التجاري إلى 2.9 مليار دولار.

في المقابل شهدت العلاقة بين القاهرة من جهة وواشنطن والغرب من جهة أخرى فتوراً ملحوظاً، كشفت عنه مناخات الانتقادات للأحكام القضائية ضد جماعة الإخوان، وانتهاكات حقوق الإنسان وتراجع مؤشر الديموقراطية.

وتبدو العلاقة أكثر ارتباكاً منذ عزل الرئيس مرسي، وبدا ذلك في حالة المراوحة باتجاه دعم وتوصيف ما حدث في 30 حزيران (يونيو)، وبدا ذلك مع دعوة الاتحاد الأوروبي في ختام اجتماع وزراء خارجية دول الاتحاد في بروكسيل في 22 تموز (يوليو) 2013، إلى الإفراج عن الرئيس المصري المعزول محمد مرسي ونقل الحكم في مصر إلى سلطة مدنية بأسرع ما يمكن.

ولم يكن البيان الأول من نوعه فقد تبعه العديد من البيانات التي تندد بالسياسات التعسفية ضد المعارضين في مصر، وأيضاً رفض الاتحاد الأوروبي المشاركة في مراقبة الانتخابات البرلمانية المقبلة، وهو ما دفع الرئيس إلى القيام بجولات أوروبية سريعة ومتلاحقة لشرح الموقف المصري وسياساته الراهنة، وربما تمكن من القفز على الصورة الذهنية الراسخة في العقلية الأوروبية، ونجح في فتح الباب أمام تعاون مع فرنسا وأسبانيا واليونان وأيضاً ألمانيا التي قام بزيارتها مطلع حزيران (يونيو) الجاري.


&