علي سالم

كتابات كثيرة تتناثر حول الدور الضعيف أو غير المؤثر لأميركا في الحرب ضد «داعش»، وأن الضربات الجوية ضد هذا التنظيم، والاكتفاء بإرسال مدربين نتأهل على أيديهم للقتال، وعدم الانسحاب من مواقعنا وتسليمها لـ«داعش»، أصحاب هذه الكتابات يرون كل هذه الخطوات غير كافية للانتصار على هذا التنظيم. هذه وغيرها من الأفكار التي تنتقد أميركا، والغرب بوجه عام، لدورها المهتز أو غير المكتمل في الحرب ضد «داعش». غير أن أحدا لم يصرح علنا بما يريده معظمنا فعلا، وهو أن تعلن أميركا الحرب على «داعش» بالمعنى المعروف للحرب، أي أن تتقدم قوات المشاة الأميركية على الأرض وتهاجم قوات «داعش» بإمكانياتها التي لا حدود لها، وبذلك يكتب (لنا) الانتصار على «داعش» في أقرب وقت.


الواقع أن أميركا لم تعلن الحرب على «داعش» بالمعنى الميداني للكلمة طبقا لتعريف كلاوتزفتز، أي «تدمير قوات ومعدات العدو بهدف فرض السلام عليه»، هي فقط أوضحت أنها على استعداد لأن تساعدنا في القضاء على «داعش» وبقية التنظيمات الفاشية. هذا هو بالفعل الدور المتاح لها والمسموح به لأي حكومة أميركية. هم يدركون أن هذه المعركة هي معركة العرب، وإذا كان هناك من يجب أن يموت دفاعا عن نفسه وعن أسرته وعن وطنه، فهو المواطن العربي.


في الميدان وفي الحروب التقليدية، توجد على أرض المعركة أحيانا منطقة يسميها العسكريون منطقة قتل (Killing zone). إنها تلك البقعة التي ترغم عدوك على اللجوء لها أو المرور منها بينما تسيطر أنت عليها بنيرانك. ولكن الحرب ضد التنظيمات المتطرفة تعتبر الأرض كلها منطقة قتل. إن مهمة المتطرف الحقيقية هي أن يقتلك وأن يقتل نفسه. وأرجو ألا تندهش عندما تعرف أن الأولوية عنده هي أن يقتل نفسه. في اللحظات التي يلفظ فيها أنفاسه الأخيرة يشعر بالارتياح لأنه انتصر. ومن الناحية العملية، حتى لو تم القضاء على «داعش» في عدة معارك حاسمة، فلن تجد أحدا تتفق معه على شروط السلام، فكلمة السلام أصلا لا وجود لها في قاموسه، سلامه الوحيد هو أن يموت.
منذ يومين كتب الأستاذ عبد الرحمن راشد، عمدة المحللين السياسيين العرب، يقول: «قتل 10 آلاف لا يعني الانتصار»، الواقع أن الانتصار عند المتطرف هو أن يُقتل، وعندما يقتل منه 10 آلاف، فمعنى ذلك أنه انتصر 10 آلاف مرة، وهذا هو ما يغذيه بالأمل في أن ينتصر للمرة المليون.


ولقد أثبت قادة «داعش» أنهم يتمتعون بحس عملي عالٍ؛ فبعد أن اضمحلت مواردهم من البترول، استعانوا بالتاريخ، فحولوه لفلوس.. بدأوا يبيعون الآثار بالقطعة. هناك دائما شيء يبيعه المتطرف الإرهابي مبتدئا بأسراه من النساء في الحاضر، ثم يدير ظهره إلى الوراء، ويبدأ في بيع الماضي.


وقبل أن أتوه وتتوه معي، أقول لك بكل وضوح: ستساعدنا أميركا في معركتنا ضد الجماعات الإرهابية، ستمدنا بكل ما نحن في حاجة إليه، غير أنها لن تمدنا بأرواح الشباب الأميركي لا هي ولا بقية بلاد الغرب. هذه معركتنا، وعلينا أن نصدق ذلك.