محمد الطميحي


من المقرر أن تنطلق اليوم في جنيف المشاورات التي ترعاها الأمم المتحدة حول الأزمة اليمنية في ظل تضارب المواقف والتصريحات بشأن الهدف والغاية من هذا المؤتمر.

وبعيداً عن المهاترات والاتهامات المتبادلة التي تسبق اجتماعات من هذا النوع يبقى السؤال الأهم: إلى أي مدى يمكن لهذه المحاولة التي تأتي بعد ماراثون من الوساطات والحوارات الفاشلة التي قادها المبعوث الأممي السابق جمال بن عمر لأشهر في صنعاء، أن تقود في النهاية إلى حل فاعل يعيد لليمن شرعيته واستقراره؟

يحق للحكومة اليمنية وحلفائها التشكيك في نوايا الحوثيين والمخلوع صالح، فقد اثبتت مواقف سابقة استغلال الانقلابيين لأي هدنة أو مبادرة لتعزيز نفوذهم وممارسة ألاعيبهم بحق الشعب اليمني، لذلك كان من الطبيعي أن تبحث دول مجلس التعاون في الرياض استراتيجية جديدة للحفاظ على أمنها القومي في حال فشلت مشاورات جنيف.

ليس هناك حاجة للانتظار فكل المؤشرات تؤكد سعي الحوثي لإطالة أمد المفاوضات كما يفعل حليفه الأسد في سورية، وأن جنيف لا تمثل سوى طوق نجاة لصالح الذي يسعى للحصول على مخرج آمن للمرة الثانية، وليس من المستبعد ان تسعى اقطاب الانقلاب إلى تحويل مشاورات اليوم إلى سلسلة من المراوغات السياسية التي لن تؤدي في النهاية إلى حل.

المؤتمر يترافق مع دعوات لإرساء هدنة إنسانية في اليمن، ولكن من غير المنطقي السماح بهدنة منقوصة تعرقل انتصارات المقاومة الشعبية واتساع رقعتها خارج المحافظات الجنوبية وصولا إلى العاصمة صنعاء، ولا بفرصة لالتقاط الانفاس في ظل ارتفاع وتيرة الانشقاقات داخل معسكر المخلوع بعد انكشاف المزيد من التفاصيل عن تحالفه المخزي مع الحوثي وحليفته إيران، فهدنة من هذا النوع ستشكل انتكاسة حقيقية لهذا الزخم الذي تعيشه المقاومة في الآونة الأخيرة.

وهنا تبرز الحاجة للبدء في استراتيجية جديدة للتعامل مع الموقف، استراتيجية تجمع بين الحزم والأمل، الحزم في مواجهة الانقلابيين من خلال الاستمرار في دك معسكراتهم واستهداف تحركات مليشياتهم سواء أكانت تلك التحركات باتجاه الحدود السعودية أم داخل العمق اليمني، وتوفير المزيد من الدعم للمقاومة الشعبية من خلال مد عناصرها بالسلاح النوعي والإسناد الجوي الذي لا يتوفر لأعدائهم، بالإضافة إلى تشجيع المزيد من الأحزاب والقبائل اليمنية على المشاركة بفعالية والنزول إلى الميدان لتخليص بلادهم من هذا المأزق خصوصا التجمع اليمني للإصلاح الذي لازال يتخفى تحت غطاء السلمية والنأي بالنفس على الرغم من احتجاز وتصفية العديد من قياداته خلال الفترة الماضية، والأهم من كل ذلك وجود ممثل للحكومة أو شخصية قيادية فاعلة في المدن الخاضعة للشرعية حتى يلتف حولها اليمنيون جميعا وليس المحافظات الجنوبية فقط.

أيضا لا بد من إعادة الأمل لهذا البلد من خلال عدة مبادرات على رأسها الإعلان عن ضمه فورا إلى مجلس التعاون على أن يبدأ العمل على تحقيق ذلك من خلال مراحل تتناسب مع طبيعة الأزمة وتحدياتها، وصولا إلى العضوية الكاملة، ودعم ذلك بتقديم مساعدات خليجية تنموية واقتصادية عاجلة ما أن تضع الحرب أوزارها.

في الأخير .. وبعيدا عن كل المؤتمرات والمؤامرات يبقى المواطن اليمني بحاجة ماسة إلى تدخل إنساني عاجل يتمثل في توفير المواد الغذائية والمستلزمات الطبية للمناطق المحاصرة من خلال طرق لا يستطيع الحوثي إعاقتها أو استغلالها ومنها تكثيف الإنزال الجوي، وإقامة المخيمات الملائمة في المناطق الصامدة أو على القرب من السواحل والمناطق الحدودية غير الخاضعة لسلطة الانقلاب، على أن تكون تلك المساعدات لكل اليمنيين.
&