طارق إبراهيم

يحل علينا شهر رمضان هذا العام ونحن أحوج ما نكون إلى استحضار قيمه ومعانيه، ثم العمل بهديها، إن لم يكن للنهوض بحال أمتنا المتعثرة تاريخيا وحضاريا، فعلى الأقل لاستئصال جذور الفتنة التي يحاول البعض- بإلحاح وخبث- أن يزرعها بيننا، مستغلا الأجواء الملتهبة في المنطقة، لا سيما في بعض البلدان التي تحترق بنيران الطائفية والمذهبية المقيتة.


في هذا الشهر الفضيل تجتمع الأمة، عربا وعجما، أغنياء وفقراء، على حب الله، فيجتهد كل منا في التقرب إليه سبحانه بالإكثار من الطاعات واجتناب المعاصي، لا فرق في ذلك بين أبيض وأسود، رجل وامرأة، قوي وضعيف.
وفي الوقت عينه يتسابق الناس لإظهار أروع ما فيهم من سجايا نبيلة، وكأن كلا منهم قد خاض ثورة داخل نفسه نقته من سلبياته وأعادت إليه فطرته الأولى، إذ لا مكان لحسد أو طمع أو كبر أو غرور، وإنما حب للناس وسعي إلى مساعدتهم ورغبة متجددة في إسعادهم... ولو بشق تمرة.


والحق أن هذه الأجواء البهية التي تحيط بنا في كل الأماكن، إنما تجدد الثقة في أن المسلمين قادرون على مواجهة تحديات الحياة، إلا أن الضرورة تقتضي القول أيضا إننا مطالبون في ظل الأخطار التي تحيط بنا من كل جانب، بأن نسعى إلى الاستفادة من الروح في جوانب أكثر شمولا، لا سيما على مستوى تمتين عرى الوحدة الوطنية، وترسيخ قواعد المساواة والتسامح وغرس قيم المواطنة والعمل والاجتهاد في نفوس أجيالنا الجديدة، الهدف ليس فقط قطع الطريق على الذين في قلوبهم غل ويسعون إلى النيل منا، ولو بمجرد التأليب أو التشكيك أو الادعاء، وإنما أيضا توفير أسباب السعادة والرقي لجميع أبناء شعبنا.


علينا أن نذكر لأبنائنا أن أعظم انتصارات هذه الأمة قد تحققت حين كان المسلمون سواسية كأسنان المشط، لا فضل لأحدهم على الآخر إلا بالتقوى والعمل الصالح، وعلينا كذلك أن نرسخ بينهم حقيقة أن هذا الوطن الغالي إنما قام وبقي باحتمائه بدين الله، ثم بجهد وتضحيات قيادته وأبنائه، ودون تمييز بين فئة وأخرى ولا بين منطقة وغيرها، إذ كان للجميع عطاؤهم، كما أن لهم حقوقهم الواجب احترامها والذود عنها إنفاذا لشريعتنا الغراء، وتحقيقا للوئام اللازم لكل تعايش كريم.


علينا أيضا أن نمد الخيوط التي تلمع في رمضان – وأهمها التسامح والبر والتراحم- إلى غيره من الشهور والأيام، بحيث تصبح كفالة الفقراء – مثلا- قاعدة حاكمة للحياة لا مجرد لحظة عطاء فردي، وبحيث يتحول التعاطف مع العمالة البائسة جزءا من تعاملنا اليومي الاعتيادي لا محاولة لتعويض جفاء العام، وبحيث يكون التواصل والودّ نهرا دائما متصلا يتجاوز المناسبات ليروي التلاحم العام القادر – بإذن الله - على صد أي خطر قائم أو محتمل.