جيفري كمب

أدى التيار المتدفق من المهاجرين القادمين من أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا، والذين يحاولون الوصول إلى أوروبا بكل وسيلة، إلى خلق أزمة خطيرة للقارة في الوقت الراهن، وهي أزمة سوف تجبر الاتحاد الأوروبي، حتماً، على إعادة التفكير في سياساته الخاصة بضبط الحدود، ومنح اللجوء للفارين من جحيم الصراعات، والأزمات البيئية في بلاد الجنوب.

في عام 1985 وبالقرب من مدينة «شينجين» في لوكسمبورج، تم تدشين إجراءات جديدة لإلغاء كافة «الضوابط الحدودية» الداخلية بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، باستثناء بريطانيا وآيرلندا اللتين رفضتا الانضمام للاتفاقية.

ومع أن تلك الإجراءات كانت مفيدة لسكان القارة الذين يتنقلون داخلها، حيث لم يعودوا بحاجة للجوازات ولا التأشيرات، كما قلت معاناتهم من إجراءات التفتيش التي باتت شكلية لحد كبير، إلا أن الأمر كان مختلفاً بالنسبة للغرباء القادمين من خارج أوروبا، وعلى وجه الخصوص ملايين المهاجرين غير القانونيين الذين يدخلونها من دون أوراق ثبوتية. فبمجرد قيام مثل هؤلاء المهاجرين بتوفيق أمورهم في بلد معين بطريقة أو بأخرى، فإنهم يصبحون قادرين على التنقل بحرية داخل القارة. وهناك ثلاث نقاط دخول رئيسية لهؤلاء المهاجرين هي آسيا الوسطى، والشرق الأوسط، وأفريقيا.

وبالنسبة لطريق الشرق الأوسط، ينجح المهاجرون بمساعدة من عصابات التهريب الدولية في الانتقال من تركيا وغيرها إلى اليونان وبلغاريا والمجر وقبرص ورومانيا.

وبالنسبة للطريق الثاني الذي يمر عبر ليبيا وتونس، يحاول المهاجرون الوصول إلى مالطا وإيطاليا بحراً باستخدام سفن وقوارب متهالكة. وخلال السنوات العشر الماضية غرق الآلاف منهم خلال تلك الرحلات اليائسة.

الطريق الثالث، وهو الواقع غرب أفريقيا، والذي يجتذب المهاجرين من البلدان الفقيرة في غرب أفريقيا، ويمثل مشكلات لإسبانيا والبرتغال على وجه الخصوص، وإن كان المرور عبره أقل كثافة بسبب التعاون الذي تقدمه المغرب والجزائر والسنغال.

ومع ارتفاع وتيرة الهجرة، برزت عدة مشكلات خطيرة: الأولى تتعلق بالاحتياجات الإنسانية اللازمة لإنقاذ، وتغذية، وإيواء، وفي نهاية المطاف، إنجاز المعاملات الورقية، للآلاف الذين ينجحون في الوصول إلى أوروبا. والعبء الرئيسي لهذه المشكلة يقع على عاتق دول أوروبا الجنوبية، وعلى وجه الخصوص إسبانيا وإيطاليا واليونان.

ومما يفاقم من جسامة مثل هذا العبء، أن كل دولة من تلك الدول تعاني من مشكلاتها الاقتصادية الخطيرة، وتطالب الاتحاد الأوروبي بصياغة أسلوب أكثر عدلا للمشاركة في المسؤولية، عن إنجاز ملفات هؤلاء المهاجرين، والعمل على استيعابهم، أو طردهم عندما يتعذر ذلك.

والأعداد الكبيرة من المهاجرين غير الشرعيين الموجودين في أوروبا لهم تأثير على السياسات المحلية، حيث أّدّوا إلى صعود الأحزاب اليمينية ذات التوجهات القومية المتطرفة المناوئة للهجرة. وهذا الموضوع -الهجرة غير الشرعية- يرتبط بالموضوع الثاني الذي يشكل قلقاً كبيراً لأوروبا وهو الإرهاب. فنظراً لأن العديد من هؤلاء المهاجرين قادمون من دول إسلامية، فإن هناك مخاوف من إمكانية اندساس جهاديين بين صفوفهم للتسلل للقارة والمساهمة في تعقيد وضع خطير بالفعل، نرى فيه جهاديين نشأوا وترعرعوا في دول غربية يذهبون إلى سوريا والعراق للقتال في صفوف تنظيم «داعش»، ثم العودة فيما بعد إلى مواطنهم وقد اكتسبوا مهارات القتال والدوافع لإلحاق أذى جسيم ودمار بالمدن الغربية.

مثال آخر على نوعية المشكلات المترتبة على هذا الوضع، هو ذلك المتعلق بما يحدث في مدينة «كاليه» الساحلية في شمال فرنسا. فبريطانيا ومعها ألمانيا، باتتا المقصد المفضل للعديد من المهاجرين، وهو ما يرجع للتوقعات السائدة لدى المهاجرين غير الشرعيين من أنه بمجرد بمجرد وصولهم إلى أي هذين البلدين، فإن فرص الحصول على حق اللجوء أو العثور على عمل تكون أسهل كثيراً مقارنة بما هو عليه الوضع في أي دولة أوروبية أخرى، بما في ذلك فرنسا ذاتها. لكن نظراً لأن بريطانيا لديها ضوابطها الحدودية الخاصة، فإن الوصول للجزيرة بات أمراً صعباً للغاية. وفي الوقت الراهن يقيم آلاف المهاجرين في ملجأ مؤقت في «كاليه»، على أمل إيجاد طريقة للتسلل نحو بريطانيا داخل واحدة من آلاف الشاحنات التي تستخدم نفق القنال الإنجليزي كل يوم. وقد سببت المشكلات الأمنية في «كاليه» بالفعل توتراً خطيراً بين الحكومتين الفرنسية والبريطانية ولم يتم العثور على حل للتحدي الذي تواجهانه حتى الآن.

المشكلة أن الاتحاد الأوروبي ليس دولة متحدة، مما يعني في نهاية المطاف أن كل دولة من الدول الأعضاء فيه ستتصرف بشكل مستقل لمعالجة أمورها الأمنية. وهذا بحد ذاته يمثل وصفة مؤكدة لاستمرار الفوضى، وتفاقم الوضع أكثر مما هو عليه الآن، قبل أن يمكن حشد الجهد الأوروبي الموحد اللازم لمعالجة هذا الإشكال.