&رندة تقي الدين&

&وصف بعض وسائل الإعلام الغربية اتفاق «أوبك» على تخفيض الإنتاج بنحو 700 ألف برميل يومياً بأنه «تاريخي». وفور إعلان الاتفاق من الجزائر بين الدول الـ 14 الأعضاء في المنظمة على خفض انتاجها إلى ما بين 32.5 - 33 مليون برميل يومياً، ارتفعت أسعار النفط في سوق لندن بنحو 2.5 دولار لبرميل خام «برنت».

لكن سرعان ما عادت الأسعار وانخفضت أمس لغموض يخيم حول كيفية توزيع التخفيضات على الدول في المنظمة خلال اجتماع تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل في فيينا.

فمن ناحية هناك أمر مهم أثر في السوق النفطية، وهو أن السعودية عدّلت استراتيجيتها من الإصرار على الدفاع عن حصتها الإنتاجية إلى التعاون مع «أوبك» لإزالة الفائض من السوق. غير أن الغموض يبقى كبيراً في شأن تفاصيل من يقوم بالتخفيضات وكيف يتم التوافق عليها، بعد إرجاء الأمر إلى مؤتمر فيينا.

قد يعني إقرار سقف انتاج عند حدود 33 مليون برميل يومياً، تخفيضاً بنسبة 4 في المئة من إنتاج دول الخليج (السعودية والكويت والإمارات) مع تجميد بقية دول المنظمة مستويات إنتاجها. لكن الدول اشترت مزيداً من الوقت مع شهرين أمامها لتصل إلى اتفاق حقيقي على أرقام إنتاجها المخفض.

حتى البيان الختامي للمنظمة الذي حدد سقف الإنتاج الجماعي بـ 33 مليون برميل يومياً، غامض ولا يعني الكثير، كون متوسط إنتاج دول «أوبك» في آب (أغسطس) الماضي كان 33.2 مليون برميل يومياً. كما أن الدول سارعت إلى رفع أرقامها للمناورة قبل التفاوض على حجم تخفيضها. فالعراق يقول إنه ينتج حالياً 3.75 مليون برميل يومياً، فيما أعلنت الكويت والإمارات ارتفاع إنتاجهما، ومازالت إيران تصر على حصة إنتاج 4 ملايين برميل يومياً.

لكن على رغم ذلك تمكن اتفاق الجزائر من رفع السعر في السوق، في غياب اتفاق الوزراء، وإن هبط السعر لاحقاً. وأصر وزير الطاقة الجزائري نور الدين بوطرفة على ألا يخرج الوزراء من بلده بلا اتفاق، فبذل كل الجهد لتفادي الفشل. ونجح فعلاً في ذلك لأن الإعلام هلل لنجاح «أوبك» في التوصل إلى اتفاق على رغم غموضه.

الأمر الوحيد الذي طمأن السوق فعلاً هو تغيير الاستراتيجية النفطية السعودية التي أصبحت الآن تريد الاهتمام بالسعر وليس بالحصة الإنتاجية فقط. وقال وزير الطاقة السعودي خالد الفالح إن سعر 60 دولاراً للبرميل أساسي لتطور الصناعة النفطية، ولو أن هذا ليس هدفاً لابد من تحقيقه بأي ثمن.

إن الغموض الذي يخيم على توزيع التخفيضات وترحيله إلى اجتماع فيينا يجعلان المراقب الذي يعرف تاريخ «أوبك» يشكك في الاتفاق. فتاريخ المنظمة يظهر لنا أن الدول المنتجة للنفط استطاعت أن تنجح في التوصل إلى اتفاق عندما كانت أسعار النفط مرتفعة والسوق في حاجة ملحة إلى نفط «أوبك». أما الآن والأسعار منخفضة والجميع يتسابق على تحسين عائداته، فالاتفاق أصعب.

على ان تاريخ المنظمة أيضاً يظهر أن السعودية، وهي أكبر منتج في «أوبك»، كانت دائماً جدية في التزاماتها تخفيض إنتاجها، وهو ما جعل الأسواق النفطية تأخذ هذا الاتفاق بإيجابية، على رغم أن أسئلة كثبرة مازالت مطروحة حوله، خصوصاً أن إيران لم تعلن قبولها بتجميد ما تنتجه حالياً (3.6 مليون برميل يومياً)، بل تصر على رفعه إلى 4 ملايين برميل يومياً. كما أن العراق الذي بقي منذ زمن طويل خارج الحصص، لن يوافق على تخفيض إنتاجه 4 في المئة.

يجعل هذا كله مؤتمر فيينا اختباراً مهماً لجدية التزام الدول اتفاقاً لا ينطبق عليه بعد وصف بعض وسائل الإعلام الغربية بأنه «تاريخي»، إذ لا يزال يتطلب اتفاقاً فعلياً على توزيع التخفيضات والتزام الدول الأعضاء بها.