&عبدالله بن بجاد العتيبي&&&

أقر مجلسا الكونغرس والنواب الأميركي قانون «جاستا» المثير لجدلٍ دولي واسعٍ، القانون يستهدف المملكة العربية السعودية كما يستهدف غيرها، فهي ليست الوحيدة المستهدفة به، والقانون جائرٌ وخطيرٌ، وهو يهدد مصالح الولايات المتحدة الأميركية حول العالم، ويصطدم بالقوانين الدولية، وتحديدًا تلك التي تتعلق بحصانة الدول.

هناك مجموعة من النقاط التي يمكن التعليق عليها، منها أنه لا بد من الاعتراف الحقيقي بخطورة هذا القانون والضرر الكبير الذي سيلحقه بالعلاقات الدولية بشكل عامٍ، وبالعلاقات التاريخية بين أميركا والسعودية بشكلٍ خاص.

ومنها ما علّق به هشام ملحم الخبير في الشأن الأميركي على قناة «العربية»، ثم كتب في موقع «العربية. نت» قائلاً إن إدارة الرئيس باراك أوباما لم تفعل شيئًا يذكر لمواجهة القانون، وهو ما كتبت عنه كذلك صحيفة «وول ستريت» الأميركية، وقالت إن «الرئيس لم يبذل إلا جهدًا جد صغير لإيقاف القانون»، وهو ما فعلته غيرها من الصحف.

وكذلك، لا بدّ من الاعتراف بالتقصير، هناك تقصيرٌ حقيقيٌ، قديمٌ وجديدٌ، في التعامل مع أهم حليفٍ للسعودية ودول الخليج في العالم وهو أميركا، مرت فترات سابقةٌ كانت السعودية فيها بالغة التأثير هناك، من الخيار التاريخي للملك عبد العزيز بالتحالف معها بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وكذلك في زمن الملك فهد والعمق الكبير الذي حازته هذه العلاقة، من حرب أفغانستان والدور المهم فيما يتعلق بالحرب الباردة، إلى مواجهة الثورة الإسلامية في إيران، إلى حرب الخليج الثانية وتحرير الكويت.

يجب أن نسأل أنفسنا سؤالاً مهمًا: كم حجم تأثيرنا الحقيقي ودورنا في إيضاح وجهة نظرنا لأهم حليف لنا حول العالم؟ هناك العديد من الأفكار والرؤى التي يطرحها مثقفون معتبرون وكتاب محترفون ودارسون متخصصون، ولكنها لا تصل لأميركا، أميركا الإدارة السياسية، وأميركا أعضاء الكونغرس والنواب المنتخبين، وأميركا مراكز البحوث والدراسات، وأميركا الإعلام، وأميركا الشعب. ودون حضور أصوات مؤثرةٍ على كل هذه المستويات، لن تصل الرسالة ولن يفهم الناس، أهمية وقيمة ودور دولةٍ بحجم وتاريخ المملكة العربية السعودية.

هناك العديد من التناقضات الواضحة والجلية، تدور في أميركا، من المسؤولين الكبار إلى عامة الناس، وهناك قضايا تُبنى ضد السعودية منذ سنواتٍ، وهناك خصوم يعملون بجهدٍ على جميع المستويات، فماذا صنعنا بالمقابل؟ الجواب هنا يشير بالتأكيد لأمر يستحق إعادة النظر.

على سبيل المثال، فإن التناقض في تصرف الإدارة الأميركية الحالية تجاه إيران، الذي تبعتها فيه بعض كبرى وسائل الإعلام، حيث صنع خطاب متكامل يدين السعودية ويشوهها، ويتحالف ويقدم التسهيلات لإيران الثورة والميليشيات والإرهاب. ولكن من يروّج لهذه الفكرة السهلة والقوية في الوقت ذاته، ويوصلها لأكبر عددٍ ممكن داخل أميركا؟ في الواقع القدرات محدودة جدًا والإمكانيات ضعيفة.

ولكن، كيف يمكن أن تواجه السعودية ذلك؟ هل ثمة استراتيجية واضحة؟ هل ثمة رؤية قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل لتعديل ذلك؟ حقيقة لا يعلم كثيرون جوابًا واضحًا لتساؤلٍ كهذا؟ ولكن الواجب هو أن يكون هناك بالفعل عمل بهذا الاتجاه.

العديد من دول العالم استنكرت استنكارًا واضحًا هذه القانون المثير للجدل، وركزت جميعًا على ضرره البالغ، بمبدأ «حصانة الدول»، الحديث هنا عن الدول الحليفة لأميركا، دول الاتحاد الأوروبي وعلى رأسها ألمانيا وفرنسا، ودول الخليج العربي، والدولة البريطانية، وغيرها، وهذه الدول لديها تفاوتٌ في التأثير على صانع القرار في واشنطن، وتأثير متفاوتٌ على أعضاء الكونغرس ومجلس النواب الأميركي. وبريطانيا قد تكون الأكثر حظًا في هذا السياق، وهي خرجت للتو من الاتحاد الأوروبي، وتحتاج كثيرًا لإعادة العديد من الاتفاقيات مع السعودية ودول الخليج والدول العربية، وهي تعلم جيدًا أن أميركا مخطئة، فلماذا لا يتم ضم تكتل من أكبر حلفاء أميركا في أوروبا، ألمانيا وفرنسًا مثلاً، وحلفاء أميركا في الشرق، كاليابان وكوريا الجنوبية، مع أي جهدٍ تبذله بريطانيا في هذا الاتجاه؟!

الاعتراف بالمشكلة هو أول طريق الحل الحقيقي لها، وهناك عمل كثير لم يُنجز في هذا الإطار، وهناك ثقلٌ كبيرٌ للسعودية داخل أميركا، يجب جمعه وتنظيمه وتنسيقه حتى يكون قادرًا على إيصال الأفكار وشرح السياسات وحماية المصالح، وتطوير العلاقات التاريخية والاستراتيجية.

عودًا على بدء، فلن يكون القانون بعد انتهاء الانتخابات الأميركية للكونغرس والنواب، والرئيس الجديد، كما هو ببشاعته الحالية، سيكون هناك تغييرات، وتعديلات، وتهذيب وتشذيب، وقد بدأ ذلك مبكرًا جدًا، فقد أرسل ما يقارب الثلاثين عضوًا من الكونغرس خطابًا يتخوفون فيه من أثر هذا القانون المدمر على مصالح أميركا نفسها، وربما كان المتحدث باسم البيت الأبيض محقًا حين شبّه أفعال أعضاء الكونغرس بـ«لعب الأطفال»!

كان طبيعيًا أن روسيا الاتحادية شمتت بالقانون وبصناعة القرار في واشنطن، وكان طبيعيًا أن تقول الخارجية الروسية: «أظهرت واشنطن مرة أخرى تجاهلها التام للقانون الدولي، بإضفاء الشرعية على إمكانية رفع قضايا أمام المحاكم الأميركية ضد دول يُشتبه في أنها تدعم الإرهاب. تواصل الولايات المتحدة، حيث يعتقد العديد من السياسيين فيها أن بلادهم (فريدة)، بإصرار، نهجها لنشر ولايتها القضائية على العالم كله، دون اعتبار لمفهوم السيادة الوطنية والحس السليم». وهكذا قانون يثير مثل هذا التعليق.

بكل ما أمكن من عقلانية، جاء رد مصدر مسؤول في وزارة الخارجية السعودية متوازنًا، ويؤكد: «إن اعتماد قانون (جاستا) يشكل مصدر قلقٍ كبيرٍ للدول التي تعترض على مبدأ إضعاف الحصانة السيادية، باعتباره المبدأ الذي يحكم العلاقات الدولية منذ مئات السنين»، وأضاف: «إنه من شأن إضعاف الحصانة السيادية التأثير سلبًا على جميع الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة»، وعبر أخيرًا «عن الأمل في أن تسود الحكمة، وأن يتخذ الكونغرس الأميركي الخطوات اللازمة من أجل تجنب العواقب الوخيمة والخطيرة التي قد تترتب على سن قانون (جاستا)».

أخيرًا، ثمة سلسلةٌ من الفشل، فلعقدٍ ونصف العقد، وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) سعت بعض القوى داخل الكونغرس الأميركي لربط السعودية بتلك الأحداث الإرهابية، وقدمت أكثر من مرةٍ «قانون محاسبة المملكة العربية السعودية»، وذلك في 2003، 2005، 2007، وكلها فشلت كما فشل غيرها من المؤسسات العريقة داخل أميركا في إثبات أي صلةٍ للسعودية بالإرهاب، واستمرارًا لهذا السياق فسيفشل قانون «جاستا»، وهذا حديث العقل والمنطق.

&&

& &&