&سمير عطا الله&

دخلت العامية المصرية لغة الناس حتى في الكتابات الجديّة. وبدا ذلك مقبولاً، خلافًا للعاميات الأخرى، الثقيل منها والوسيط، كاللبنانية التي لا تزال، أو بالأحرى ستبقى، أبعد من أن تتمتع بعذوبة العامية المصرية. ولعل أحد الأسباب أن بعض أجمل الشعر في مصر كان عاميًا، وأكثره رقّة كان عاميًا. وقال أمير الشعراء إن بيرم التونسي وحده شكل خطرًا على الفصحى. وقد تلاقت على حظوظ العامية وهيمنتها، أغاني سيد درويش وأم كلثوم، ومسرح نجيب الريحاني وفؤاد المهندس وسمير غانم، وأفلام «ستوديو مصر». وحرص الرحابنة على أن يكون مسرحهم وأغاني فيروز أقرب إلى الأذن العربية، لكن اللهجة اللبنانية ظلت معقدة، وأحيانًا غير مفهومة، وإن تكن أقل من اللهجات المتداخلة كبعض المحليات المغاربية.

في قراءتي لبعض كتّاب مصر، ألمح دائمًا تعابير عامية، أو أمثالاً أو لطائف. وأعترف بأن هذه الحالة الوحيدة التي أضعف فيها في تعصبي للفصحى. والسبب عادة ليس خفة الوقع، بل عمق المعنى وتناغم السبك، وإيقاع السرد. والعامية فخ. فلست أتصور نفسي أقرأ الدكتورة (في الطب) غادة شريف باللغة الفصحى، رغم كل الاجتهاد والبحث الذي تتضمنه مقالاتها في «المصري اليوم». وتطرح غادة شريف أعقد وأبرز القضايا الآنية في مصر بأبسط الكلمات وأكثرها مرحًا وروحية مصرية.

ومن الحالات النادرة أن تجد الأسلوب الساخر مفعمًا بمثل هذه الأبحاث والتحليلات والفكر النقدي العالي. وعندما كتبت قبل حين «تحية لهم ولهن»، كان بين المعنيات في نون النسوة، السيدة «أم حمادة»، التي تكتب مقالاتها دومًا في صيغة رسائل إلى حمادة.

مقالُها من المتع الأسبوعية. ولا يزال التاج عند أسبوعيات سناء البيسي في «الأهرام». وثمة فكر سياسي واجتماعي ثمين في كتابات زميلتنا أمل عبد العزيز الهزاني، والدكتورة لطيفة الشعلان في «الحياة». وأعتذر من السيدات اللاتي يكتبن لتوسل الشهرة السريعة القدوم والزوال. فلست من متذوقي هذا النوع. أفضل الأصليين، لا المقلدين ولا المنفعلين. معظم هذه الظواهر لا تعيش، وتغيب ولا تعود. ومرة أخرى تحية لهن، وأيضًا لذوات الموهبة الخلاقة اللاتي قررن ترك الإعلام المكتوب إلى المرئي، كمثل الغزيرة الموهبة والإنتاج، بدرية البشر.

كانت الأقلام النسوية قبل 50 عامًا نادرة في الأدب وأكثر ندرة في الصحافة. وكم تغيرت الدنيا، وكثرت أقلام البنفسج.

&&