&فـــؤاد مطـــر&&&

تزامن الانعقاد المتواضع من حيث المشاركة (عشرة رؤساء من أصل رؤساء الدول المائة والعشرين الأعضاء في الحركة) للقمة التاسعة عشرة لـ«حركة عدم الانحياز» في فنزويلا «المادورية»، وريثة فنزويلا «التشافيزية» الغارقة في صراعات، مع انعقاد الدورة الواحدة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، التي كانت متخمة بالتمثيل على مستوى أهل القمة، أو ما دون هؤلاء بمرتبة.

قبل الانعقاد الذي جرى في جزيرة «مارغريتا»، أقام الرئيس نيكولاس مادورو أمام مقر اجتماع القمة تمثالاً بارتفاع أربعة أمتار للرئيس السلَف تشافيز، الذي قبل أن يرحل عليلاً، أورث الرئاسة لصديقه مادورو على نحو توريث بوريس يلتسين وهو عليل الرئاسة لفلاديمير بوتين.

وأما عقْد القمة في الجزيرة وليس في العاصمة كراكاس، فمن أجل تفادي الانزعاج الناشئ عن تحركات من جانب المعارضة، شملت قرْع أواني المطبخ تعبيرًا عن الاحتجاج على الإنفاق على قمة بغرض تجميل النظام، فيما الوضع المعيشي والاقتصادي الناشئ عن انخفاض أسعار النفط في غاية السوء، خصوصًا أن الانخفاض بالنسبة إلى هذه الدولة العضو في منظمة «أوبك» تسبَّب في حدوث نقص حاد في الأغذية والأدوية، وأن نسبة التضخم باتت في التالي تنعكس متاعب على جميع المستويات الشعبية.

القمة السابقة كانت تلك التي استضافتْها إيران الخمينية - الخامنئية التي لا تعير احترامًا لمبادئ الحركة التي تأسست قبل إحدى وستين سنة في «باندونغ»، لينعقد مؤتمرها الأول بعد ست سنوات في بلغراد، يوم كانت يوغوسلافيا موحَّدة، لم تتبعثر بعد على نحو ما هو المحتمَل كنهاية لسوريا.

وعندما سلَّم رئيسها الشيخ حسن روحاني رئاسة الدورة إلى الرئيس الفنزويلي، الذي يغرد كما النظام الإيراني نقدًا حادًا للولايات المتحدة، فإنه كان يسلِّم رئاسة دورة، لم تلتزم مضيفتها بمبادئ مثبَّتة كوثائق تاريخية، إلى دولة يبدو أنها من الخط نفسه لجهة عدم الالتزام بالمبادئ التسعة، التي نثبِّت نصها في هذا المقال.

ويبدو واضحًا عدم الاحترام من جانب النظام الثوري الإيراني عندما نُقارن بين المبادئ التسعة، التي هي «شريعة» مؤتمر تأسيس حركة عدم الانحياز عام 1955، ونوعية تعامُل هذا النظام مع عدد من الدول المائة والثماني عشرة المنتسبة إلى الحركة، وبالذات مع سوريا والعراق ولبنان ومصر والبحرين واليمن والسودان وفلسطين، فضلاً عن بعض دول القارة الأفريقية. ولا يعفي النظام الإيراني مما ينشأ عن عدم التقيد بمبادئ الحركة وعدم احترام الهدف الذي أُنشئت من أجله، أن إيران الخمسينات يوم كانت محكومة إمبراطوريًا من الشاه محمد رضا بهلوي لم تكن من الدول المؤسِّسة، بل كانت في نظر القادة الذين أسسوا، دولة تُمثل ذروة الانحياز إلى أميركا. ولكن إيران التي تبدَّل جِلْدها وباتت جمهورية إسلامية ثورية انتسبت إلى «حركة عدم الانحياز» واستضافت قمتيْن، كانت أولاهما أواخر أغسطس (آب) 2012.

«شريعة» أو «ميثاق» أو «دستور» أو «مبادئ»، «حركة عدم الانحياز» مُلزِمة بطبيعة الحال للمنتسبين، وإلاَّ فما قيمة المشاركة والتوقيع على البيانات والسفر من الأقاصي إلى الأقاصي للمشاركة؟ لكننا من خلال رصْد مواقف النظام الإيراني، نلاحظ عدم احترامه لها، أو فلنقل لبعضها وهو الأساس، تفاديًا للشمول. وهذه «المبادئ» هي حسب التسلسل: احترام حقوق الإنسان الأساسية، وأهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، واحترام سيادة جميع الدول وسلامة أراضيها، وإقرار مبدأ المساواة بين جميع الأجناس، والمساواة بين جميع الدول، كبيرها وصغيرها، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى أو التعرض لها، واحترام حق كل دولة في الدفاع عن نفسها، بطريقة فردية أو جماعية، وفقًا لميثاق الأمم المتحدة، وعدم استخدام أحلاف الدفاع الجماعية لتحقيق مصالح خاصة لأي من الدول الكبرى، وعدم قيام أي دولة بممارسة ضغوط على دول أخرى، والامتناع عن القيام، أو التهديد بالقيام، بأي عدوان، والامتناع عن استخدام القوة ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأي دولة، والحل السلمي لجميع الصراعات الدولية، وفقًا لميثاق الأمم المتحدة، وتعزيز المصالح المشترَكة والتعاون المتبادَل.

هذه المبادئ مغيَّبة في معظمها عمدًا وليس سهوًا من برنامج النظام الإيراني في تَعامله مع لبنان، بأسلوب التعطيل بقوة السلاح، والتمذهب لتقاليد تبقى على رغم هشاشتها، وإبرام التفاهم حولها على خلفية التنوع المذهبي والموقع الذي لا يُحسد عليه هذا الوطن الصغير المستصغَر، تُحقق بعض الاستقرار للناس. وهي مغيَّبة عمدًا في ضوء التحرش بمصر بداعي كسْب الود، وفي البحرين بداعي وضْع اليد عليها أو لبننتها، وفي اختطاف إرادة النظام في سوريا، وكيف أن هذا الاختطاف تطوَّر إلى حد أن سوريا ذات الرقم الصعب في المعادلة الإقليمية غدت عرضة للتبعثر وربما التقسيم. وهي (المبادئ) غيُّبت قبل ذلك في العراق، الذي كان أيضًا من الأرقام الأربعة الإقليمية الصعبة إلى جانب مصر والسعودية وسوريا، وبات بفعل وضع اليد على إرادة نظامه المثبَّت أميركيًا، عرضة لانشطارات تشبه بعض الذي حدث للسودان، وما زال احتمال تكرار الانشطار واردًا. وهذه المبادئ مغيّبة إزاء الذي افتعله النظام الإيراني في اليمن بأمل أن تتلبنن حالة الصراع فيه عملاً بأسلوب التعطيل، حيث في اليمن عاصمة الشرعية مخطوفة، وكانت الخطة خطْف رئيسها، وحيث في لبنان الرئاسة هي المخطوفة تعطيلاً.

كما أن المبادئ وبالذات (ثامنها) الذي يدعو إلى الحل السلمي لجميع الصراعات الدولية وفقًا لميثاق الأمم المتحدة، مغيَّبة بفعل وضْع اليد على جزئية من الإرادة الفلسطينية، تتمثل أحيانًا بحركة «حماس» وأحيانًا بحركة «الجهاد الإسلامي»، وفي بعض الأحيان بالحركتيْن معًا. هذا إلى عدم تحفيز الأطراف الفلسطينية على المصالحة على نحو ما سبق أن فعل الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، وتنشيط محاولة التسوية المتعلقة بالصراع الفلسطيني - الإسرائيلي وفق تخريجة «مبادرة السلام العربية»، التي تحقق إجماع عليها في القمة العربية الدورية الثانية في بيروت يوم 28 مارس (آذار) 2002.

ثم ها هو التغييب المتعمد لمبادئ «حركة عدم الانحياز» التي بدا النظام الإيراني في استضافته الدورة المنتهية وطوال ثلاث سنوات، كمن يريد القول إن الوفود المشاركة مرحب بها شرط ترْك مبادئ الحركة، أي «شريعتها» أو «ميثاقها» خارج الاستضافة، تبلغ الذروة في الحالة التي حدثت قبل خمسة أسابيع من الانعقاد الجديد للحركة وتمثلت باتخاذ أهل الحكْم القرار الذي لا يحق لهم اتخاذه، والقاضي بمنع حجاج إيران وأبناء الطائفة العرب من تأدية الفريضة. ونقول لا يحق لهم على أساس أن سلطة الحاكم المسلم، مهما علا شأنه، وحتى إذا كان المرشد الأعلى، تقف عند حق المواطن المسلم في تأدية الفرائض الخمس، وبالتالي فإن منْعه، أيًا كانت الدواعي، من أداء فريضة الحج لا تختلف عن منْع المسلم من أداء الصلاة ومن صوم الشهر الفضيل.

&&