&عبدالله عبدالكريم السعدون&

علاقة المملكة بأميركا علاقة استراتيجية قامت ومنذ عهد الملك عبدالعزيز على أساس المصالح المشتركة للبلدين، وقد راهنت المملكة ببعد نظر قادتها على تقوية العلاقة مع الغرب..

صدر قبل أيام وبأغلبية ساحقة قانون (جاستا) ويعني العدالة ضد الإرهاب، ويعطي الحق لأسر ضحايا 11 سبتمبر في مقاضاة أي مسؤول في الحكومة السعودية قد يكون له دور في تلك الهجمات. وقد صوت الكونغرس الأميركي معه بأغلبية ساحقة ونقض لأول مرة أحد قرارات الفيتو التي استخدمها الرئيس باراك أوباما خلال الثماني سنوات. وقد طبخ القانون على نار هادئة، ثم قدم في الوقت المناسب وبسرعة غير معهودة في استصدار القوانين الخطرة مثل هذا، وهو ما يعني أن وراءه محامين متعطشين للمال ومشرعين يهدفون إلى الإساءة للمملكة، وقد يكون له آثار بعيدة المدى.

&

والقانون ليس خاصاً بالمملكة، بل يتيح للمحاكم الفدرالية في أميركا النظر في دعاوى مدنية ضد أي دولة ذات سيادة قدّمت بعلمها أو بنحو متهور دعماً مادياً أو موارد بشكل مباشر أو غير مباشر لأفراد أو منظمات يحتمل ارتكابها أعمالاً إرهابية.

&وقد أضعف هذا القانون مبدأ حصانة الدول الذي كان قائماَ منذ مئات السنين وأعطى هذا التعديل للمحاكم الأميركية الحق في النظر في الدعاوى ضد الدول ذات السيادة، وهنا يجب التساؤل عن السبب في صدور هذا القانون وبهذه السرعة والأغلبية الساحقة، فالكل يعلم أن المملكة قد كسبت كل القضايا المرفوعة ضدها فيما يخص هجمات 11 سبتمبر، فلماذا خرج هذا القانون بهذا الوقت وبهذه السرعة ومن يقف خلفه؟

&نعلم جميعاً أن المنطقة العربية ومنذ قيام إسرائيل وهي تمر باضطرابات داخلية ومؤامرات خارجية وخصوصاً تلك الدول الكبيرة التي قد تشكل خطراً على هذا الكيان المزروع داخل الوطن العربي، وقد كان للعراق نصيب الأسد من تلك المؤامرات ففي عام 1950 أي بعد قيام إسرائيل بسنتين بدأت أولى تلك المؤامرات وهي قيام مسلمين متطرفين وبتخطيط من المنظمات اليهودية المتطرفة بتفجيرات ضد مؤسسات اليهود العراقيين البالغ عددهم 120 ألف شخص معظمهم من التجار والعلماء والأدباء لتقوم الحكومة العراقية بعد ذلك بإسقاط الجنسية عنهم والهجرة إلى فلسطين، ثم استمرت المؤامرات على تلك الدول وبأيدي أبنائها كقيام الانقلابات العسكرية في كل من العراق ومصر وسورية وهي الدول الكبيرة المواجهة لإسرائيل.

&

وهنا علينا ألا نستبعد أن إسرائيل واللوبي اليهودي القوي في أميركا والمسيطر على الكونغرس وراء هذا القانون للإضرار بالمملكة وإضعافها اقتصادياً وتخريب علاقتها المتميزة مع أميركا، وهي الدولة العربية الوحيدة التي لها ثقل سياسي واقتصادي وعسكري، وهذا يعني أن علينا أن ندرس آثار هذا القانون على المدى القريب والبعيد، وأن نبادر إلى التصدي له بخطوات كثيرة منها:

&أولاً. علاقة المملكة بأميركا علاقة استراتيجية قامت ومنذ عهد الملك عبدالعزيز على أساس المصالح المشتركة للبلدين، وقد راهنت المملكة ببعد نظر قادتها على تقوية العلاقة مع الغرب بعكس دول عربية كثيرة راهنت على الاتحاد السوفييتي فكانت النتيجة تكديس المزيد من الأسلحة واستيراد القبضة الأمنية وسيطرة الجيش على مقدرات البلد على حساب التنمية وقوة الاقتصاد. وفي هذا الوقت بالذات يجب تفويت الفرصة على من يريد عزل المملكة وإضعاف اقتصادها من خلال إضعاف علاقتها بدول العالم القوية وعلى رأسها أميركا، بل يجب أن نسعى لتأسيس المزيد من الشركات الناجحة المشتركة مثل ما عملنا مع أرامكو وشركات الجبيل وينبع، فالاقتصاد هو ما يقوي العلاقات بين الدول، ويقربها من بعض ويجعل قادة البلد الآخر وأصحاب القرار تحرص على حماية مصالحها المشتركة، يجب أن نؤسس شركات للتصنيع وشركات للسياحة وشركات للطيران وهكذا بشرط أن تبنى على مبدأ الربح للطرفين ويكون من ضمن أهدافها توطين التقنية وتنويع مصادر الدخل.

&ثانياً. العالم ومنذ وجد الإنسان لا يحترم إلا القوة، والقوة في هذا الوقت للاقتصاد فهو صمام الأمان وهو أساس استتباب الأمن والرخاء وأكبر داعم للقوة العسكرية والسياسية، ومن أهم شروط ازدهار الاقتصاد تعزيز النزاهة ومحاربة الفساد على كل المستويات، فلا يمكن أن يبنى اقتصاد قوي في ظل فساد يجعل المصالح الشخصية تطغى على المصالح العامة، وهذا يعني سرعة تطبيق الحوكمة وتعزيز الشفافية التي ركزت عليها خطط وأهداف التحول الوطني ورؤية 2030، وأن يكون لدينا برنامج وطني لاختيار القادة وتأهيلهم.

&ثالثا. قانون جاستا يجب ألا يخيفنا، بل يجب أن يكون عاملاً مساعداً للمزيد من الإصلاحات الداخلية في كل المجالات والإسراع في وتيرتها، فالمحاكم الأميركية قد تبحث في ملفات كثيرة وتستمع إلى آراء مختلفة، ومن المهم إصلاح الخطاب الديني وخاصة علاقة المسلم بالآخر سواء داخل المذاهب الإسلامية أو مع الأديان الأخرى، وعدم تكفير الآخر، وترك أمره لله مهتدين بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وتعامله مع المختلف من يهود المدينة وكفار قريش رغم ما أصابه منهم من أذى، يجب أن نعلم أن لكل عصر خطابه وما يناسبه ولهذا كان الاجتهاد من أبواب التشريع الإسلامي، لذا يجب الأخذ بما يناسب هذا العصر وتعديل المناهج ومراجعة التراث بما يحقق مصالح المملكة والمسلمين عامة على مستوى العالم، وهذا لن يحسن علاقتنا بالآخر فقط، لكنه سيعزز المواطنة ويفوت الفرصة على من يريد أن يعبث بأمن الوطن الذي يجب أن تكون له الأولوية على ما عداه.

&وأخيراً يجب أن نكثف جهودنا لإيضاح وجهة نظر المملكة من خلال سفاراتنا في تلك الدول وتزويدها بما تحتاجه من إمكانات بشرية ومالية للقيام بدورها على الوجه المطلوب، وتفعيل الإعلام الخارجي ولجان الصداقة في مجلس الشورى لتخاطب برلمانات تلك الدول.