&وليد أبي مرشد&

هل تكفي تسوية مدينة حلب بالأرض وتفريغها من سكانها، لإنهاء النزاع السوري وإعادة سوريا إلى خريطة دول الشرق الأوسط؟

الجواب لا يزال في ملعب أوباما، وملعبه يشهد اليوم تباينات بين رؤيته للحالة السورية ورؤية رئيس دبلوماسيته، جون كيري، قد تعكس، كما يبدو، اختلافًا في تقييم «الديمقراطيين» لموقع أميركا على الساحة الدولية بعد التحدي الروسي لها في سوريا.

بعد أكثر من خمس سنوات على الانتفاضة الشعبية في سوريا، تشعر واشنطن أن استمرار التزامها بدبلوماسية «لا في العير ولا في النفير» بدأ يمس بهيبتها كدولة عظمى، واستطرادًا مصداقيتها في أوساط الحلفاء والأصدقاء قبل الخصوم والأعداء.

أن تأتي تلاوة «فعل الندامة» على فرص الإدارة الأميركية المفَوَّتة في سوريا من رأس هرم الدبلوماسية الأميركية ومهندسها، أي وزير الخارجية جون كيري، حدث قلّ نظيره في سجلات الدبلوماسية الغربية، والأميركية تحديدا. ولكن العبرة السياسية لهذا الندم، التي يصعب تجاهلها، أنها جاءت في سياق «تحصيل الحاصل» هذه الأيام، أي تحميل الرئيس الأميركي، باراك أوباما، مسؤولية إحباط كل اقتراحات ومبادرات التدخل المباشر في سوريا.

ندم وزير الخارجية الأميركي، إن كَشف عن أمر ما، فهو صعوبة - وربما استحالة - التوصل إلى تسوية سياسية مقبولة في سوريا، بعد اعتماد آلة الحرب الروسية سياسة «الأرض المحروقة»، ومؤازرة سلاحها الجوي جيش النظام في مهمته الناجحة لتدمير مدينة حلب على رؤوس أبنائها.

إعراب وزير الخارجية الأميركي (أمام وفد من المعارضة السورية) عن «إحباطه» من موقف رئيسه، باراك أوباما، مؤشر كافٍ للاستنتاج بأن ما لم يقدم عليه الرئيس أوباما، أي التدخل العسكري، بات المدخل الوحيد للحل.

ولكن السؤال يبقى: أما زال هذا الحل في يد الولايات المتحدة؟

محوران إقليميان ما زالا يسمحان بأمل تعديل الوضع الميداني لصالح المعارضة: المحور الأول - والأكثر منطقية - هو «الجيش السوري الحر»، والثاني هو تركيا.

بالنسبة لـ«الجيش السوري الحر» ما زالت الفرصة سانحة لتجميع صفوفه وتزويده بالعتاد المناسب لتعديل الوضع الميداني الراهن، إذا عادت إدارة أوباما إلى التعامل مع قضيته بجد ومصداقية.

لو تم هذا الأمر قبل خمس سنوات، أي يوم كان «الجيش السوري الحر» رأس حربة الانتفاضة السورية، لربما كان تزويده، آنذاك، بخمسين صاروخ «ستينغر» أرض - جو كافيًا لتحييد سلاح الجو السوري وقلب موازين المواجهة العسكرية لصالح المعارضة تمهيدًا للعودة إلى طاولة المفاوضات.

واليوم، وبعد أن زجت روسيا بسلاحها الجوي في النزاع السوري، قد يتسبب اتخاذ واشنطن لهذا القرار بتعريضها لمواجهة مباشرة مع موسكو، خصوصا أن القوات الروسية «ذاقت مُرّ» هذه الصواريخ في حرب أفغانستان (1979 – 1989).

رغم قناعة العديد من المراقبين السياسيين بأن موسكو، كما واشنطن، لا ترغب في التسبب بحرب عالمية ثالثة بسبب سوريا، فإنه ما زال بإمكان واشنطن الالتفاف حول «العامل الروسي» باتخاذها قرارًا جريئًا يرفع «الفيتو» الذي تفرضه على تزويد حلفائها في المنطقة المعارضة السورية بهذه الصواريخ والأسلحة النوعية التي تفتقدها في مواجهاتها غير المتكافئة مع قوات التحالف الروسي - السوري - الإيراني.

على صعيد المحور التركي، قد تبدأ مسيرة تعديل الوضع الميداني بتخلي واشنطن عن معارضتها اقتراح أنقرة فرض منطقة آمنة على طول حدودها مع سوريا، وإعطاء «الضوء لأخضر» للجيش التركي لمواصلة عملياته العسكرية في سوريا، المباشرة وغير المباشرة.

رغم أن الجيش التركي فقد العديد من كوادره القيادية نتيجة حملة «التطهير» التي نفذها الرئيس رجب طيب إردوغان، عقب محاولة الانقلاب الفاشلة، فهو لا يزال ثاني أكبر جيوش دول حلف شمال الأطلسي. وبالنسبة لإردوغان قد تشكل عملياته في سوريا فرصة سانحة لتأكيد قدراته القتالية.

سجلّ الرئيس أوباما في البيت الأبيض لا يوحي باحتمال تغيير موقفه من سوريا في آخر أيام عهده. ولكن الأمل في التغيير يبقى قائمًا في حال احتفظ الديمقراطيون بالرئاسة الأميركية، وعادوا إلى مقاربة الدولة العظمى في دبلوماسيتهم الدولية.

&&

&