&لحسن مقنع

اعتبر محللون أن البرامج التي تقدمت بها الأحزاب المغربية استعدادا للانتخابات التشريعية التي ستجري يوم غد اتسمت بالواقعية على العموم، بيد أنهم استبعدوا أن يكون لها وقع كبير في التأثير على الناخبين.

وقال الباحث يوسف بلال لـ«الشرق الأوسط» إن الناخبين المغاربة لا يصوتون بناء على البرامج، وإنما على العلاقات، ويضيف موضحا أن «ما ينظر إليه الناخب المغربي أساسا هو الدور الذي لعبه الحزب في السنوات الأخيرة على المستوى المحلي، والأداء التواصلي لقيادته، أكثر مما يهتم بالبرامج». ويرى بلال أن سبب هذا السلوك يرجع، من جهة، إلى الثقافة السياسية السائدة في المغرب، ومن جهة ثانية إلى إدراك الناخبين من خلال التجربة بأن القرارات الكبرى لا تخضع للنقاشات الحزبية.

ويرى بلال أن القوانين الانتخابية المعتمدة في المغرب لا تسمح لأي حزب بالتوفر على غالبية مريحة داخل البرلمان، تمكنه من ممارسة الحكم بشكل مطلق، وبالتالي من تطبيق برنامجه الانتخابي. فتشكيل الحكومة سيتطلب من الحزب الأول التحالف مع عدة أحزاب أخرى لضمان الغالبية في البرلمان، وسيكون عليه تقديم تنازلات واعتماد برنامج توافقي يرضي جميع الحلفاء لتدبير الحكومة. وأضاف بلال قائلا: «عندنا في المغرب جزء كبير من القرارات لا تخضع للانتخابات ولا للبرامج الانتخابية. ومساهمة الأحزاب ستظل ضئيلة خاصة في المجال الاقتصادي، حيث يشرف الملك شخصيا على المخططات التنموية والمشاريع الكبرى، الشيء الذي يضمن استمراريتها. غير أن هذا لا يلغي الدور الحكومي، والكيفية التي ستقود بها الحكومة بعض الإصلاحات الصعبة، كالضرائب ومكافحة الفساد وإصلاح التقاعد ونظام دعم الأسعار مثلا». ويرى بلال أن العنصر الأساسي في هذا المجال، ليس البرنامج الانتخابي، وإنما شخصية الزعماء وتوفر الإرادة السياسية لديهم من أجل القيام بهذه الإصلاحات، مشيرا إلى أن كثيرا من الحكومات السابقة كانت تضع في برامجها إصلاح نظام دعم الأسعار وصندوق التقاعد ضمن أولوياتها، غير أنها لم تتوفر لديها الإرادة السياسية لمعالجة هذه الإشكالات، حتى جاءت حكومة عبد الإله ابن كيران.

وعن تقييمه للبرامج المعروضة يقول بلال: «صحيح أن هناك تقاطبا أو صراعا آيديولوجيا على مستوى الأفكار أو القيم بين أبرز الأحزاب المتنافسة، لكن على مستوى البرامج لا يوجد فرق كبير فيما بينها. فالتشخيص مشترك بين جميع الأحزاب، والحلول المقترحة أيضا بينها تشابه كبير». ويضيف بلال أن «البرامج المقدمة في الانتخابات الحالية تبدو أكثر واقعية، لكنها ما زالت ضعيفة على مستوى الخبرة والمستوى الفني نظرا لافتقاد الأحزاب إلى تجارب حكومية متتالية».

وحول نسبة المشاركة التي تشكل أحد أكبر رهانات هذه الانتخابات، يقول بلال: «لا أعتقد أنها ستعرف تغييرا كبيرا مقارنة مع الانتخابات الماضية في سنة 2011، والتي كانت رهاناتها بالنسبة للناخبين أكبر من الانتخابات الحالية باعتبارها سنة إقرار الدستور الجديد».

وعرفت انتخابات2011 نسبة مشاركة أعلى من الانتخابات السابقة، إذ بلغت 45 في المائة مقابل 37 في المائة في الانتخابات التشريعية لسنة 2007. وللتذكير فإن نسبة المشاركة في التصويت على دستور 2011 بلغت 70 في المائة.

من جانبه، يرى الباحث ميلود بلقاضي أن نسبة المشاركة قد تتراجع خلال الانتخابات الحالية، مشيرا إلى أن شبكات التواصل الاجتماعي ستلعب دورا سلبيا في التحفيز على المشاركة «كونها لا تنشر سوى الفضائح» على حد قوله، وأضاف قائلا: «الناخبون موزعون بين فئة تأتي لصناديق الاقتراع عن قناعة نظرا لارتباطات حزبية، وفئة تأتي من أجل المال، وهذه الظاهرة لا تزال موجودة للأسف، وفئة ثالثة اختارت العزوف وعدم المشاركة».

وحول تقييمه للحملة الانتخابية ومدى تأثيرها على الناخبين، قال بلقاضي: «للأسف ليست لدينا معاهد أو مراكز بحث متخصصة في إنجاز الدراسات حول هذه القضايا. لكن ما نلاحظه أن الحملة الانتخابية عندنا لا تزال تقليدية في عصر المعرفة والمعلومات». وأشار بلقاضي إلى أن أبرز ما ميز الحملات الانتخابية الحالية تراجع التجمعات الجماهيرية الكبرى، واتسامها بالفتور وافتقادها للجاذبية.

أما فيما يخص البرامج المعروضة، فيقول بلقاضي إن «أهم ملاحظة على هذه البرامج افتقادها للمرجعية الآيديولوجية، بحيث يصعب أن تفرق بين برنامج حزب يساري أو شيوعي أو ليبرالي أو إسلامي أو محافظ. فكل البرامج أصبحت تصاغ عبر معطيات وأرقام تغيب فيها الآيديولوجية، ولا تعكس التعددية السياسية، فكلها متشابهة رغم أن لدينا 32 حزبا».

غير أن بلقاضي يسجل أن هناك جديدا في برامج الأحزاب، هو كونها أكثر واقعية، وقال: «الأحزاب فهمت أن الخطاب يجب أن يكون مبنيا على الواقعية والمصداقية». ويعود بلقاضي إلى إشكالية قدرة الأحزاب على تطبيق برامجها، مشيرا إلى صعوبة الحصول على غالبية مريحة في البرلمان بسبب نمط الاقتراع. وأضاف: «حاليا تم تخفيض العتبة (الحد الأدنى من الأصوات اللازم الحصول عليها للمشاركة في توزيع المقاعد) من 6 في المائة في الانتخابات الماضية إلى 3 في المائة في الانتخابات الحالية. في ظل هذه الشروط سيتطلب تحقيق الغالبية التوفر على مائتي صوت من بين 395 التي يتكون منها مجلس النواب، أي تتحالف 7 أو 8 أحزاب. وهذا يعني أن وضع رئيس الحكومة المقبل سيكون أصعب من وضع ابن كيران في الحكومة الحالية التي تتكون من 4 أحزاب، إذ سينشغل بالحفاظ على توازنات تحالفه وتدبير أزمته الداخلية أكثر مما سينشغل بتطبيق برنامجه الحكومي». وأضاف بلقاضي أن مهمة تشكيل الحكومة المقبلة ستكون صعبة، مشيرا إلى أن الأحزاب الثلاثة الكبرى سيكون من الصعب أن تتعايش معا داخل الحكومة نفسها، وبالتالي سيكون على الحزب الذي سيتولى مهمة تشكيل الحكومة أن يتحالف مع عدد كبير من الأحزاب الصغرى. وتوقع أن تتشكل الغالبية البرلمانية المساندة للحكومة من زهاء 20 حزبا وأن تتشكل الحكومة من 7 إلى 8 أحزاب على الأقل.&