&أحمد عبد الملك

قرأتُ قانون «العدالة ضد رعاة الإرهاب» المعروف اختصاراً بـ«جاستا»، الذي تضمّن سبع مواد تتحدث عن حماية الولايات المتحدة أمنياً واقتصادياً وبشرياً من أي اعتداءات يقوم بها أفراد أو جماعات أو دول تسبب أضراراً لأميركا أو مواطنيها. وكما هو معروف، فإن مجلسي الشيوخ والنواب الأميركيين قد رفضا بأغلبية ساحقة «الفيتو» الذي أصدره الرئيس الأميركي باراك أوباما ضد تمرير مشروع القانون. وهو إجراء قانوني حسب دستور الولايات المتحدة، إلا أن صدور القانون في هذا الوقت بالذات، قد أثار كثيراً من التساؤلات حول التحوّل في علاقات الولايات المتحدة مع الدول العربية، وخصوصاً المملكة العربية السعودية!

الإعلام العربي للأسف تناول الموضوع بكثير من التأويلات العاطفية والمبالغات، دونما البحث في أثناء القانون، وربَط البعض مواد القانون السبع فقط بحادثة 11 سبتمبر، دونما التطرق إلى القضايا الأخرى، كما غاب صوت القانونيين العرب، عما شاهدناه على الشاشات العربية.

فالقانون لم يُشر صراحة إلى هجمات 11 سبتمبر ومطالبات أهالي الضحايا الذين نُكبوا في الحادثة، إثر استهداف «القاعدة» لبرجي مركز التجارة العالمي في نيويورك ومبنى البنتاغون في واشنطن عام 2001.

لكن مسؤولين أميركيين أشاروا إلى أنهم «يتعاطفون مع أُسر ضحايا حادثة 11 سبتمبر ورغبتهم في تحقيق العدالة»، ضمن التطرق إلى قانون «جاستا»، وهذا ما أثار كتّاباً في الإعلام العربي، حيث رأوا في القانون اتجاهاً أميركياً ليس لمكافحة الإرهاب، قدر ما فيه من نوايا «خفية» ضد الدول العربية، ومنها المملكة العربية السعودية، على خلفية أحداث 11 سبتمبر.

ومن القضايا التي يُمكن أن تُثار في هذا الاتجاه، مثلاً: ما هو تفسير الإرهاب؟ لأن المصطلح في بقعة جغرافية قد يأخذ شكل الدفاع عن الحقوق والأوطان، أو ردِّ المعتدي أو وقف الظلم! كما هو الحال في الأراضي الفلسطينية المحتلة! أو في العراق أو غيره.

كما لم يتم التطرق- في الإعلام الأميركي- إلى ما قامت به أميركا في هيروشيما وناجازاكي في الحرب العالمية الثانية، ولا إلى ما جرى من فظائع في فيتنام على أيدي الجنود الأميركيين، ولا ما جرى في فلسطين ودعم الولايات المتحدة غير المحدود للكيان الصهيوني منذ عام 1948، وكذلك ما وقع من تخريب دولة العراق واليمن.. إلخ! علماً بأن واضعي القانون كانوا حذرين في صياغته، لأن المادة (2) من الفقرة 3 من القانون توضح أن «الإرهاب الدولي لا يشمل الحرب»! وهذا «يُحصّن» الولايات المتحدة من أي تبعات أو إجراءات قانونية لمقاضاتها على الأعمال العدوانية الحربية التي قامت بها منذ قيامها في أواخر القرن الثامن عشر!

لقد ذكرت صحيفة «الفايننشال تايمز» أن لجوء الكونجرس إلى نقض «فيتو» الرئيس أوباما لقانون «جاستا» قد يُنظر إليه من خارج الولايات المتحدة على أنه امتداد لنوع من الإمبريالية القضائية، تُمكِّن الولايات المتحدة من انتزاع مئات المليارات من الدولارات في شكل غرامات من الشركات العاملة خارج الولايات المتحدة!

ولنا سؤال هنا: ماذا لو أقدمت عصاباتٌ صومالية أو يمنية على التعرّض لسفن أميركية عند باب المندب أو بحر العرب، هل يعتبر هذا من أعمال الإرهاب؟ وإن كان كذلك، فهل يجوز للولايات المتحدة معاقبة الحكومتين الصومالية واليمنية، اللتين تواجهان تحديات داخلية، جراء ذاك التعرض للسفن؟ وبكلام آخر، هل يجوز أن تُعاقب حكومات بناء على تصرفات فردية هي لا تعلم عنها شيئاً؟ وكيف ستدفع مثل تلك الدول التعويضات وهي ليست لديها إمكانات لذلك؟ هل يجوز أن تستخدم الولايات المتحدة القوة لتحقيقه؟ ألا يُعتبر ذلك إرهاباً «مقنناً»، لا تقبله دول العالم ولا يقره القانون الدولي؟!

يرى بعض المعلقين أن عمليات متابعة الإرهاب يجب أن تكون عبر الشرطة الدولية (الإنتربول)، أو عبر اتفاقات ثنائية بين الدول؟! وأن قانون «جاستا» يتعارض مع مبادئ القانون الدولي، الذي لا يُقر مقاضاة الدول عبر أجهزة القضاء المحلية!

ما هو المطلوب عربياً وإسلامياً؟

نعتقد أن الوقت يُلزم العربَ والمسلمين أن يتكاتفوا ويتخذوا موقفاً موحداً ضد تطبيق القانون المذكور، لأن معظم الدول العربية والإسلامية ستكون هدفاً للقانون! كما أن الدبلوماسية العربية والإسلامية في الأمم المتحدة يجب أن تقوم بجهد في هذا الاتجاه.

قانون «جاستا» هو New Look لإمبريالية جديدة تحاول عبرها الولايات المتحدة التحَكم في العالم، كما حدث ذلك عبر التَحكم في مصائر الشعوب بعد الحرب العالمية الثانية. وإذا ما أجاز القانون للأشخاص الأميركيين رفع دعاوى قضائية ضد دولة معينة وتحميلها المسؤولية عن الإصابات التي لحقت بذويهم، أو اقتصادهم، فإن العراقيين، والفلسطينيين، والأفغان، والفيتناميين، واليابانيين أحق برفع دعاوى ضد الولايات المتحدة، وبإمكان برلماناتهم وضع قوانين خاصة بما يُعيد حقوق الملايين من البشر، والتريليونات من الدولارات، هذا زيادة على الخراب الذي أحدثته الطائرات والبوارج والصواريخ الأميركية، ناهيك عن قتل الآلاف من البشر، وترويع الآخرين نفسياً، والتسبب في دخول كثير من الدول حظيرة «الدول الرخوة» أو الفاشلة!