&سمير عطا الله&

أراد جورج أورويل أن يكون شيئًا واحدًا في حياته: بسيطًا. عاديًا. ومن أجل ذلك، ذهب مذاهب غريبة أحيانًا. أحدها كان عندما استأجر، عام 1936، كوخًا صغيرًا في بلدة والنغتون، وحوله إلى دكان بقالة كي يعيش منه، هو وزوجته إيلين. كان الكوخ من دون ماء أو كهرباء أو صرف صحي، يضيء ظلامه قنديل صغير. وعندما كانت تمطر، كانت أرض الكوخ تفيض بالمياه.

إلى هذا الكوخ، نقل عروسه الجديدة في شهر العسل، ولم تتذمر، بل نظرت إلى المسألة بدعابة. غير أن دخل الدكان لم يكن يكفي لتغطية الإيجار. فقد كان زبائنه الوحيدون أطفال المدرسة الذين يشترون منه الحلوى بعد انتهاء دروسهم. ومع نهاية السنة الأولى، اضطر إلى إعلان إفلاسه. ومن هناك، ذهب إلى برشلونة للاشتراك في الحرب ضد الفاشية. وعندما عبأ الاستمارة، وضع أمام المهنة: بقّال!

كل الفقر الذي عاناه تحول إلى ثراء وشهرة بعد وفاته المبكرة. وعندما حمل مخطوطة «مزرعة الحيوانات» إلى أحد الناظرين، رفضها هذا على أساس أن هذا النوع من الكتابات لم يعد مرغوبًا. وقد وضعت «المزرعة» على طريقة «كليلة ودمنة» وأشعار الفرنسي لافونتين. وبعد وفاته، تحولت «المزرعة»، مثل معظم كتبه، إلى أحد الكتب الأكثر مبيعًا عبر العقود.

تكشف «الرسائل» التي تركها أنه عاش سني حياته في بؤس إلى ما قبل ثلاث سنوات من وفاته، عندما بدأت عائدات «مزرعة الحيوان» تدر عليه دخلاً معقولاً. غير أن مرض السل كان قد داهمه أيضًا، فعاش السنوات العشر الأخيرة معاقًا. أي أنه ظل ينتج كأنه إنسان معافى. ولم تزد سنوات الكتابة عنده على 16 عامًا، كانت كافية لأن تجعل منه رمزًا أدبيًا فريدًا، وأشهر أدباء بريطانيا في القرن الماضي.

جبران خليل جبران مات بالسل أيضًا، وأيضًا عن 48 عامًا. غير أن سنوات الإنتاج كانت أطول وأكثر غزارة، أضاف خلالها إلى الشعر والنثر ثروة من الرسوم التي أعطته مجدًا في عالم الفن، ومكَّّنته من الاتصال بكبار رسامي فرنسا والولايات المتحدة. ومثل أورويل، مرَّ بائسًا في «مدرسة» باريس، التي كان يأتي إليها الفنانون في تلك المرحلة من أنحاء العالم، لكي يصنعوا فيها تجربتهم وشهرتهم معًا.

كلاهما، جبران وأورويل، عاش بائسًا إلى ما قبل الغياب بقليل، إلا أن الفارق كان في الحظ النسائي. أورويل كان متعثرًا، بينما لاحقت النساء جبران في أوطانه الثلاثة: أميركا، وباريس، ولبنان.

&&

&