&عبدالله بن ربيعان

&&المتابع لأعمال وزارة المال السعودية، يلاحظ أن الموازنة ليست في أفضل حال، فالاقتراض الداخلي لم يتوقف منذ أواخر العام الماضي وطوال أشهر هذا العام، والسحب من الاحتياط زاد في شكل لافت وفق وسائل إعلام سعودية وأجنبية. وتحت وطأة الشح المالي الذي تواجهه الحكومة، ليس مستغرباً أن تصدر قرارات تقشفية كتلك التي خفضت بدلات معينة وأوقفت العلاوات السنوية لموظفي الحكومة للعام الهجري الجديد.

كانت أمام الحكومة أربعة خيارات كلها ليست جيدة أمام ما تتعرض له موازنتها من عجز، والأول هو أن تستمر في السحب من الاحتياط والاقتراض من مصارف الداخل والخارج، لكن هذا سيحمّل الموازنة والأجيال المقبلة تبعات التسديد وخدمة الدين ويكبّل اقتصاد البلد لوقت طويل، لذلك هو خيار سيئ، أو بمعنى أصح أسوأ الخيارات المتاحة.

الخيار الثاني هو أن تخفض الحكومة قيمة العملة أمام الدولار المربوطة به بسعر صرف ثابت، وهو خيار سيوفر سيولة في السوق لكنه سيرفع الأسعار في شكل كبير ويضعف الثقة في الريال الذي تراهن الحكومة والناس دائماً على استقراره، ولذلك يعتبر مثل سابقه خياراً سيئاً.

الخيار الثالث هو أن تفرض الحكومة مزيداً من الرسوم على السلع والخدمات، وهو خيار غير محمود اجتماعياً، إذ سيؤدي إلى رفع كلفة العمالة وزيادة أسعار السلع في السوق، لأن الجميع سيحمّل التكلفة للمستهلك الأخير الذي هو المواطن.

أما الخيار الرابع، وهو ما اختارته الحكومة، أي التقشف في الإنفاق ومنع العلاوات وقفل باب التوظيف ووقف الانتدابات والبدلات، فبدأته الحكومة بوزرائها وأعضاء مجلس الشورى، الذين حُسمت من مداخليهم 20 و15 في المئة على التوالي.

الخـــيار الذي اختارته الحكومة وهو تقليل السيــولة القليلة أساساً في السوق، هو خيار ليس جيداً اقتصادياً خصوصاً في الأجلين المتوسط والطويل، لأن ضحيّته الأولى النمو الاقتـصادي في البلد. فالاقتصاد السعودي لا يمـــلك قطـــــاعاً خاصاً كبيراً يقود النمو والتنمية، ولا يملك سياحة وخدمات تجذب الأجانب، وليست لديه صادرات غير نفطية كثيرة تدر العملة الصعبة، بل هو اقتصاد يعتمد في شكل شبه كامل على إنفاق الحكومة، ويقوده قطاعها، ومتى انخفض هذا الإنفاق انخفض النمو.

إلا ان هذا الخيار يعتبر أفضل الخيارات السيئة، فعلى رغم أثره غير الجيد في النمو الاقتصادي، إلا أن عاقبته اجتماعياً ممثلة في انخفاض الأسعار بسبب التقشف وقلة السيولة تعتبر جيدة، فما فقده المواطن من سيولة في دخله سيعوّضه انخفاض أسعار السوق. هذا في الأجل القصير.

فـــي الأجليــــن المتوسط والطويل، سيلقي هـــذا الإجـــراء ظلاله الثقيلة على النمو الاقتصادي، فالمتـــوقع في ظل التقشف والركود الذي تعيشه السوق حالياً، أن تخرج بعض المنشآت غير القـــادرة على خفض تكاليفها من السوق (بسبب التقـــشف ورفع الرسوم البلدية على المحلات التجارية بمبالغ كبيرة وفق المعلن).

وبالطبـــع، فخروج منشآت من السوق لا يعنـــي إلا مزيداً من الركود الاقتصادي ومزيداً من فقــدان موظفين أعمالهم، وهذا معناه أن البطالة ستستمر مرتفعة وربما زادت عن مستواها الحالي (11.5 في المئة) خلال الأعوام القليلة المقبلة، فلا الحكومة توظف ولا القطاع الخاص سيكون قادراً على خلق فرص العمل.

المطلوب حالياً من الحكومة، أن تتنبه إلى أرقام النمو وألا تترك السوق تنزلق الى ركود شديد، وعليها أن تبدأ من اليوم بما يحافظ على النمو الاقتصادي للبلد في شكل أفقي أو شبه أفقي على الأقل.

وهذا النمو يتطلب تعويض المنشآت الخارجة من السوق باستثمار أجنبي يدخل السوق، والتشدد لضبط تحويلات السيولة خارج البلد، إضافة إلى التشدد لمنع تسريح أي يد عاملة سعودية في القطاع الخاص. هذا الحل هو في الأجلين القصير والمتوسط القريب لتعويض الفاقد من السيولة في السوق.

أما في الأجل الطويل، فتنويع مصادر الدخل هو البلسم والحل الشافي لكل المشاكل الحالية والمستقبلية، ومن دونه ستظل البلاد تختار بين الخيار السيئ والآخر الأقل سوءاً متى تعرضت موازنتها لضغوط وانخفضت إيراداتها لأي سبب.

وأخيراً، ملاحظة جديرة بالتنويه وهي غياب أي صوت اقتصادي حكومي يشرح للناس ما الذي يحصل، خصوصاً وزير المال ووزير الاقتصاد والتخطيط المطلوب أن يشرحا للناس بشفافية ووضوح أسباب الإجراءات التقشفية.