ملحة عبدالله&

تباشرنا فيما بيننا حينما قامت مؤسسة الفكر العربي، وقد اتخذت من اسمها قوة كبيرة لمفهومها ذي المقطعين (الفكر، والعربي) ولهاتان الكلمتان أهميتهما في العمل على التماس ثم التقاطع بطبيعة الحال في إيقاظ الوعي وتنويره لكي يكتب لهما النجاح لكن يبدو أن المتوازيين لا يكتب لهما التقاطع كما تقول القواعد الرياضية، حيث اتخذتا مسارين متوازيين حتى هذه اللحظة!

&إن من أكبر المهام والتحديات لمؤسسة الفكر العربي هو العمل على تنوير الوعي وإيقاظه، ولكن على مدار السنوات منذ تأسيسها لم نلحظ ذلك الدور وأثرة في الشارع العربي، والذي تولى إدارة وعيه أو قل تحويل مسارة وتجنيده نحو التزييف هي مؤسسات فكرية وسياسية عالمية اهتمت بتسريب الفكر الذي يخدم مصالحها إلى رؤوس الشباب وحتى العامة ومنها مؤسسة بروكنغز على سبيل المثال والتي حولت مسار الفكر العربي إلى حيث تشاء، وبطبيعة الحال كان يجب أن تكون مؤسسة الفكر العربي هي الموازية والندية لبروكنغز إن جاز التعبير!

&أين مؤسسة الفكر العربي من صياغة الوجدان الجمعي وتنويره وخاصة الشباب الذين وجدوا أنفسهم في أحضان بروكنغز ومفكريها، ولا يخفى على أحد أن صناعة ما يسمونه بالربيع العربي كان من مهام بروكنغز والمعهد الديمقراطي وغير ذلك من المؤسسات والتي بها أعتى المفكرين الذين يعرفون كيف تدار الدفة الفكرية العالمية.

&إن ما يحدث في شارعنا العربي من تطرف وارهاب وثورات وتحركات، ليس إلا من تزييف الوعي، ولتزييف الوعي شأنة في فلسفة وديناميكية هدم المجتمعات وعلى من أراد التوضيح فليرجع إلى نظريات تزييف الوعي عند لوكاكش ولويسيلن جولد مان وغيرهما.. ولذا نستطيع القول إن أزمة المجتمع العربي هي أزمة وعي في ثقب مظلم أما النافذة المبهرة والجذابة الزائفة فهناك.. عند بروكنغز والمعهد الديمقراطي وهما من تقومان باستلاب الوعي العربي وليس تنويره! وهنا وللأسف بيت القصيد!

&شاهدت حلقة حوار مع هنري العبوط مدير مؤسسة الفكر العربي على قناة صدى البلد وأصبت بإحباط وبخيبة أمل من ذلك اللقاء لعدة أسباب منها:

&أن الرجل يبدي اعجابا مستترا من فكرة ما اسماه بالربيع العربي!

&أي ربيع سيدي؟ حيث يقول إن الربيع العربي مازال مستمراً، ثم ان رجلا كهذا مديرا لمؤسسة الفكر العربي يكرر كلمة الربيع العربي بينما هو لا يعلم مفهوم مصطلحها حيث قال: صدر أكثر من ثلاثمئة وخمسين كتابا ولم يصدر حتى الآن تعريف لهذا المصطلح، فلماذا تستخدم المصطلح إذاً وأنت في هذا المنبر ودن أن تعرف مفهومه؟!

&

ومن حواره الطويل الذي لم نخرج منه بمعنى جيد وقد انتظرته اسبوعا كاملا سوى أن مؤسسة الفكر العربي مؤسسة بحثية!.

&

لا ياسيدي مؤسسة الفكر العربي يعول عليها أن تقوم بقيادة الشارع العربي وصناعة الوعي فيه وأيضا إظهار صورة الفكر العربي في الخارج وليس عمل أبحاث فحسب؛ ثم إن ما تقوم به من أبحاث وكل المشكلات الفكرية يتم معالجتها وليس رصدها فحسب! بينما تقوم المؤسسات الغربية بهذا الدور حتى وصلنا إلى ما يسمى بتزييف الوعي العام بل استلابه!

&

مؤسسة بروكنغر تضم أكبر المفكرين الغربيين في أوروبا وأميركا ومنهم ستيفان هادلي مستشار الأمن القومي الأميركي السبابق، ومارتن انديك المبعوث السابق للرئيس اوباما للمفاوضات الفلسطينية –الاسرائيلية، وتوماس رايت مدير إدارة الشؤون الاستراتيجية للمؤسسة، ومن المفكرين، جاستس ساندرا، داي أوكونور، بيار هاسنر، ستانلي هوفمان، إيفيت فادرين، الراحل طوني جودت، تيريز ديبليش، ورايمونو، وتوماس فريدمان وآخرون كثر وهم كما وصفهم انديك بأنهم ثروة عظيمة، ولذا قادت الفكر العالمي باتجاه ما تريده!.. ولنذهب إلى مؤتمر تفسير الربيع العربي وكيف صنعت هذه المؤسسة الغربية هذا المسمى بالربيع لكي نعرف كيف يدار الفكر في الشارع وليس في الندوات والمؤتمرات!

&يقول انديك آنذاك: (أولاً، أعتقد بأن ما حصل تحت اسم الربيع العربي أمر لا رجعة فيه. نحن الآن نواجه مرحلة جديدة، وضعاً جديداً؛ لأنه بعدما بدا كثورة، أي الربيع العربي، لدينا في السلطة نخب قديمة في الواقع، نخب سياسية قديمة. لقد كان الإسلاميون على المسرح السياسي لعقود. ولدى كل القادة الحاليين تقريباً عقود من النشاط السياسي فعلاً. لذا فهم لا يمثلون الجيل الجديد).

&ولذا فهم من يحركون الجيل الجديد عبر مؤسساتهم وبأفكاهم التي يرتضونها بأفكار تتسرب إلى الوجدان بدون أن نعي كنهها فيقول: (لماذا قلت إن الربيع العربي أمر لا رجعة فيه؟ بالنسبة لي هناك ثلاثة تغييرات رئيسة بالعمق في المجتمعات العربية: أولاً، هناك جيل جديد. فالنماذج الديمغرافية قد تغيرت خلال العشرين عاماً الماضية. لقد هبطت نسبة المواليد في كل مكان. فتونس لديها نسبة مواليد أدنى من فرنسا الآن، على سبيل المثال. بالنسبة لجيل الشباب الحالي هو جيل تطور وافر ومتعدد، لكنه الجيل المتعدد الأخير. فهم يتزوجون في سن متأخرة، ينجبون عدداً أقل من الأولاد، هناك جنس من نوع أفضل في أوساطهم بما يتعلق بالتعليم، وسن الزواج، على سبيل المثال. إنهم أقل ارتباطاً بالعائلات الكبيرة، بالعائلات الممتدة. لديهم عدد أقل من الأطفال عندما ينجبون. إنهم أكثر اتصالاً وأكثر عالمية وشمولية. غالباً ما يفهمون أو يتحدثون لغات أجنبية. إنهم على اطلاع. وهم لا يتبعون المجتمع الأبوي التقليدي، والثقافة الأبوية بالضبط، لأن البنى الأبوية، على وجه التحديد، هي الآن في حالة هبوط، لم تعد تعمل. إنهم أكثر تعلماً من آبائهم. إنهم أفضل من آبائهم).&

وهذا هو المنشود لبروكنغز فيقول: (إذاً، إن الصورة الأبوية التقليدية عن الزعيم لم تعد تعمل بعد اليوم. فهم غير منجذبين للقادة الكاريزميين. إنه جيل السلام، ليس جيل القادة العظام. لذا، فإن نتيجة هذا الأمر – وهذا هو التغيير الثاني- هو أن هناك انهيارا للثقافة العربية التقليدية – حسناً، كلمة تقليدي كلمة كبيرة – لكنه انهيار للثقافة العربية التقليدية المبنية على الشخصية الكاريزمية أو المبنية على الابن، كما تعلمون. فعادة ما يكون الأبناء أقل كاريزمية من آبائهم. لكن مع ذلك، كما تعلمون، كانت الفكرة أن هناك قائداً شرعياً كبيراً وأنه يفترض بالناس أن يكونوا موحدين، وأن أي نوع من أنواع الإيديولوجية، القومية، الاسلاموية، العروبة، مسألة لا تهم، وأن الديمقراطية هي ديمقراطية خارجية – أكثر من خارجية – هي مؤامرة لتدمير وحدة الشعب العربي). ثم يقول في موقع آخر: (كل هذا انتهى الآن. كل ذلك انتهى. إنهم يؤمنون بالديمقراطية، وليس بالمصطلح الثقافي للكلمة إنما بشيء موجود في داخلنا جميعاً. هم لا يهتمون باتباع النماذج غير التقليدية، كما تعلمون. هم لا يؤمنون بالمؤامرة الغربية لتقويض القومية العربية. هم لا يلتصقون بالايديولجيات التقليدية، سواء أكانت العربية، أم القومية، أم الإسلامية. إنهم أكثر تفرداً بكثير. وبالتالي، إنهم يدعون للكرامة وليس للشرف. أنتم تعلمون، الشرف إشارة جماعية مشتركة، لكن الكرامة حق فردي. يريدون حكماً رشيداً ومواطنة جيدة).

&

لقد عملت هذه المؤسسات وغيرها على توطين هذا الفكر لعقود فينا، فماذا فعلته مؤسسة الفكر العربي سواء للتصدي أم للبناء؟!

&

الأمر يا سيدي يتعلق بقيادة الشارع وصياغة وجدانه وإيقاظ وعيه وتنويره وإنقاذه من هذا التدهور على جميع المستويات في فترتنا الحرجة هذه.

&

&