&كريم الطيبي

&مع اقتراب الانتخابات البرلمانية التي سيكون المغرب على موعد معها يوم الجمعة 7 أكتوبر 2016م، أعرب مجموعة من المثقفين الذين يتصدرون المشهد الثقافي المغربي عن اختياراتهم موضحين دواعي هذه الاختيارات؛ وبهذا الصنيع تكون شريحة مهمة في المجتمع المغربي قد انخرطت في دواليب الثقافة السياسية، خصوصا مع تدني الممارسة السياسية بالمغرب مع الحكومة الحالية التي يتزعمها حزب العدالة والتنمية، ومن ثم فإن تفاعل المثقف المغربي الذي يحمل جزءا كبيرا من المسؤولية في متابعة الشأن السياسي ونقد وتتبع المسار الذي تخطه الحكومة وتسجيل ما لها وما عليها بغية الإسهام في تجويد العمل السياسي هو أمر ضروري وملح وإلا فما الذي سيستفيد الوطن من مثقف جامد لا يتفاعل سوى مع أوراقه وكتبه في مكتبه داخل الجدران الأربعة؟&

وعلى الرغم من الأجواء المحبطة التي تحدق بمستقبل المغرب السياسي في ظل تربع الأحزاب التي توصف من قبل المتتبعين والمهتمين بأنها أحزاب "إدارية" أو "مخزنية" على عرش الانتخابات في كل استحقاقات، وكذا بروز نفس الوجوه والقيادات التي توالت على الجثوم في مقاعد البرلمان، كل هذا جعل أغلب المغاربة مثقفين ومهتمين وفاعلين يشعرون بالتشاؤم وببعد تحقيق الديموقراطية المأمولة والمجتمع المثالي الموعود، الأمر الذي حذا ببعضهم إلى مقاطعة الانتخابات، بناء على تفسير جاهز يلوكه كل من هب ودب وهو أن الانتخابات المغربية – حسب رأيهم - مجرد "مسرحية" مخرجها هو المخزن، وهو "المتحكم" في كل شيء، ولا مجال للحديث عن النزاهة والشفافية. بيد أن قتامة المشهد لم تؤثر في بعض المثقفين المغاربة، ولم تنغص من نظرتهم في بصيص الأمل الذي ينبع من بعض الأحزاب السياسية التي يثقون في حملها لهموم المواطنين وانتظاراتهم، وهو ما جعل مثقفينا يعبرون عن أصواتهم واختياراتهم التي سيعبرون عليها في صناديق الاقتراع يوم 7 أكتوبر في بعض المواقع الإخبارية وصفحاتهم على موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك، فنجد الكاتب والشاعر "حسن نجمي" رئيس اتحاد كتاب المغرب سابقا أعرب صراحة عن دعمه لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بناء على تاريخ الحزب العتيد وما قدّمه من شهداء ومفكرين وكبار المناضلين. ومتغاضيا عما آلت إليه الأوضاع السياسية داخل هذا الحزب وكذا الأخطاء التي وقع فيها، وذلك بقوله:" مهما تكن ملاحظاتي ونظرتي النقدية، وهو حقي الشخصي، فإن صوتي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، في هذه الانتخابات التشريعية".

&

في حين نجد الدكتور "شرف الدين ماجدولين" الناقد والأكاديمي والأستاذ الجامعي بالمعهد الوطني للفنون الجميلة بتطوان، قد صرح بدعمه لفديرالية اليسار الديموقراطي، مؤكدا على ما صدر منها من نزاهة ونظافة يد، ورغبتها الحق في الإصلاح الحقيقي ومناهضة الفساد والاستبداد، يقول:" وقد كانت الانتخابات الجماعية السابقة التي خاضتها الفيدرالية بنظافة يد ونزاهة ضمير وصلابة موقف دافعا لفئات عديدة من المقاطعين للتصويت عليها، ولأنها صارت الحزب الوحيد في الساحة اليوم الذي لا يتهافت على الأعيان والمقاعد المربوحة ... شخصيا لم أقتنع يوما بالخط السياسي لبعض مكونات الفيدرالية كنت أرى فيها طهرانية لا تتواءم والعمل السياسي الواقعي، لكن الأهم اليوم ليس هو الخط السياسي فقط بل إعادة الاعتبار للقيم النبيلة للنضال ... وهو ما تمارسه الفيدرالية على نحو مثالي." ولم يكتف الناقد المتمرس شرف الدين بعرض رأيه، بل قام بنظرة استشرافية سابق بها الزمن إلى ما بعد 7 أكتوبر ليؤكد أن المهم ليس هو النجاح والحصول على المقاعد البرلمانية، بقدر ما يهم المشاركة النزيهة التي تبنتها الفيدرالية وكسبها لثقة المثقفين والنزيهين، يقول" لنفترض جدلا أن نتائج الانتخابات خيبت أمل مناضلي فيدرالية اليسار الديمقراطي، ولنفترض الأسوء، أي أن لا يفوز أحد من مرشحيها، كما تتمنى الطبقة السياسية الممخزنة وبعض العدميين ممن ينتظرون تدخل عفريت سيدنا سليمان لإنضاج الديمقراطية ... أقول حتى لو حدث الأسوء فإن إنجاز الفيدرالية في هذه الانتخابات يفوق كل القوى السياسية الأخرى، وذلك أنها استطاعت أن تبني جسور ثقة جدية مع شرائح ثقافية وسياسية عريضة، وأن تقدم نفسها بوصفها بديلا يستحق المساندة، وهذه وحدها ذخيرة سياسية تعزز الأمل في المستقبل." ومن جانبه، أشاد الناقد والروائي الشاب "هشام مشبال" بالأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد وقائدة تحالف "فيدرالية اليسار الديموقراطي" نبيلة منيب، لكن إشادته كانت مغلفة بنبرة فيها تشاؤم واضح، على اعتبار أن التغيير الحقيقي لن يخلقه شخص أو شخصين – كما قال، مشيرا إلى أن السياسة النزيهة لا تبنى إلا بنظام تعليمي حقيقي يهتم بالقيم والأخلاق.

&

والملاحظ أن نسبة مهمة من المثقفين المغاربة قد اقتنعوا بالتصور الانتخابي الذي تتبناه فديرالية اليسار الديموقراطي، ووثقوا بمناضليه الذين عرف عليهم النزاهة والدفاع على حقوق المقهورين، وقطعهم باب الريع واستغلال السلط. ومن المثقفين المغاربة أيضا ممن آمنوا بجدوى مشروع الفديرالية الشاعر "طه عدنان" الذي صرح بعدم موافقته لحزب العدالة والتنمية الذي تربع على عرش الحكومة الحالية، وقد بيّن أسباب هذا في تدوينة مطولة يقول فيها:" وإذ أجد نفسي على طرف نقيض مع حزب العدالة والتنمية فليس لأنه حزب إسلامي، ولا لأنه يهدّد استقرار البلد كما يروّج البعض، ولكن ببساطة لأنه تفّهَ أحلامنا وخان الأفق الديمقراطي الذي فتحنا عليه دستور 2011 على محدوديته، وأيضًا لأن الحكومة التي قادها ألهتنا بشعاراتها الشعبوية الطنّانة قبل أن تفاجئنا بارتداء وزرة التلميذ النجيب لصندوق النقد الدولي لتمارس على الطبقة الوسطى في المغرب سياسات نيوليبرالية متوحشة: الإجهاز على التعليم العمومي والصحة العمومية، بمحاربة رجال التعليم والطلبة الأساتذة كما الأطباء والطلبة الأطباء، فيما لم تتردد في مجاملة رجال الأعمال والمستثمرين بمختلف أنواع الإعفاءات الضريبة، وغض الطرف عن المفسدين وسراق المال العام برفع شعار بنكيران الشهير (عفا الله عما سلف)." ولأجل هذه الأسباب اقترح عدنان أن يتبنى "التصويت العقابي" بوصفه موقفا يجسد رفض المغاربة لسياسة حكومة عبد الإلاه بنكيران التي خانت المغاربة وخانت عهودها وبرامجها التي وعدت بها الشعب المغربي.

&ليؤكد الشاعر المغربي المقيم ببلجيكا طه عدنان أنه " ولكي لا نبقى حبيسي الاختيار المؤسف بين اليمين النيوليبرالي المُتسربل بالإسلام، واليمين المخزني المتشدِّق بشعارات الحداثة، أرى أنه آن الأوان لكي نيمّم يسارًا. لا لنختار حزبا قد يحكم. فهذا مطلبٌ دونه خرط القتاد، ولكن في الأقل لنقوّي معارضة جادّة وحقيقية. من أجل أن يظل للممارسة السياسية بعض المعنى، أدعو للتصويت على فيدرالية اليسار الديموقراطي." وغير بعيد من هذا الموقف، يسير الروائي "عبد النور مزين" صاحب "رسائل من زمن العاصفة" في الخط نفسه، مؤكدا على أن " قيم اليسار العقلاني وحدها الممكنة للخروج من النفق المسدود، صوت الأمل لمغرب المستقبل ، ساندوا عمق وأمل الشعب المغربي، اليوم فيدرالية اليسار الديمقراطي، البداية الحقيقية."

&وإضافة إلى ما ذُكر هناك إقبال كبير لمثقفي المغرب الأقصى على دعم فيدرالية اليسار الديموقراطي، فحسب ما ذكرته صحيفة جورنان الإلكترونية أن 100 مثقف وفاعل وفنان وجهوا رسالة دعم لنبيلة منيب وقد أشرف على الرسالة الأنثروبولوجي والأستاذ الجامعي في في جامعة برنستون في الولايات المتحدة عبد الله حمودي، وقد وقّعت في الرسالة أسماء ثقافية مرموقة منها المعتقل السياسي أحمد المرزوقي صاحب مذكرات "تزمامارت الزنزانة رقم 10"، والروائي محمد برادة، والشاعر محمد بنيس، والإعلامية فاطمة الإفريقي وآخرون...

&ويعتبر هؤلاء المثقفون "فدرالية اليسار الديمقراطي لبنة في مشروع سياسي شامل، ونقطة انطلاق مسلسل للبناء، يفضي إلى بروز قوة سياسية جديدة وازنة تجعل المواطنين، الذين هجروا صناديق الاقتراع، في المدن والبوادي، يسترجعون الثقة في جدوى العمل السياسي بأدواته الحزبية والانتخابية".

&إن انخراط المثقف في الساحة السياسة من شأنه أن يعيد الاعتبار له بصفته مسؤولا لا بد أن يواكب المستجدات والوقائع بالتتبع النقدي، ومن ثم بلورة المفهوم الحقيقي للمثقف العضوي الذي ينصهر مع الجماعة وينشغل بهمومها وآمالها وآلامها. لا أن يستسلم للواقع وينزوي في بروجه المشيدة بأعمدة الأوهام، وينتظر التغيير، لأن التغيير الحقيقي يصنعه المثقفون لا السياسيون.