&محمد الرميحي&

الحقيقة الوحيدة التي يراها الخليجيون، بصرف النظر عن اجتهاداتهم، أن «سقوط اليمن في يد الحوثي يعني سقوطها في يد ولاية الفقيه الإيرانية»؛ وبالتالي التمدد غير المنضبط لإيران القومية في الخاصرة الخليجية، ذلك هو التحدي الواضح للعلن، لن يجدي بعد ذلك أي حديث أو عمل ظاهري لترقيع تلك الحقيقة؛ لذلك فإن الحرب في اليمن بالنسبة للخليج هي حرب وجود لا حدود، لقد أصبحت الحرب هناك أكثر مهمات الدولة الخليجية جدية، ومفتاح البقاء أو الخراب. الاستراتيجية الإيرانية لم تعد غامضة أو غير مرصودة، هي تعتمد على الاستفادة من ضعف أو خلخلة الدولة العربية، وزرع فئة صغيرة مسلحة في داخلها تأتمر بأمرها، تحت شعارات زاعقة وعاطفية تدغدغ مشاعر البسطاء، من أجل السيطرة على تلك الدولة، ولبنان مثال على تلك الاستراتيجية، ولكن أيضا العراق وسوريا مع اختلاف في التكتيكات التفصيلية لا غير.

إلا أن الملاحظ من جهة أخرى، هو عدم استخدام الفرص المتاحة والاستراتيجية والقادرة على تحرير الوسائل والأدوات في يد مجلس التعاون، التي يمكن أن تقلل أولا، ومن ثم تمنع ذلك السقوط في اليد الإيرانية، وتعرقل ذلك التمدد الذي يأخذ اليمن والإقليم إلى الفوضى.

إن أهم أداة تشكل باب الفرض في يد دول مجلس التعاون وتقف حجر عثرة أمام التمدد الإيراني سياسية وليست عسكرية، وهي التوجه إلى «الوحدة الخليجية»، وقد يسأل سائل وما علاقة هذا بذلك؟ هي حجر الزاوية في كسر موجات العدو ودحر طموحه في مد نفوذه الحقيقي أو المعنوي في الإقليم، ومن يعتقد حتى الآن أن العدو في صنعاء فقط عليه مراجعة تاريخ الحروب، العدو في اليمن قابع في طهران! واليمن جزء من الأهداف وليس كل الأهداف، وعلى المراقب أن يلاحظ فقط ردة الفعل الإيرانية بمجرد ما تطرح تلك الفكرة الإيجابية على بساط البحث الجاد، وهي فكرة الوحدة الخليجية بمن حضر، ستخرج طهران عندها كل ما في جعبتها من حيل وتهديدات وتحركات، كي تمنع أو تعرقل ذلك التوجه الوحدوي، لا لسبب إلا أنها (أي الوحدة) تعطل مشروعها ليس فقط في اليمن، بل وفي أماكن أخرى من الإقليم العربي الممتد، وهذا يعني في أول ما يعني أن «وحدة الخليج» هي السلاح السري والفاعل للوقوف أمام تمدد النظام الإيراني في المنطقة ككل، كما يعطل استخدامها لقوى اجتماعية يعتقد نظام طهران أنها مناصرة له؛ لخلخلة النسيج الاجتماعي في دول الخليج كل على انفراد، ومنع أي تحرك نحو رصّ صفوفها. ليس سرا عمق العلاقة بين الاعتبارات السياسية، والسياسات العسكرية، فاختيار مكان وتوقيت وأداة المواجهة، هو من الحصافة السياسية والعسكرية معا. من هنا، فإن مقولة الكل أكبر من مجموع الأجزاء، تنطبق تماما على التوجه إلى وحدة الخليج.

أعرف أن تلك الخطوة تحتاج إلى بعد نظر وتضحيات وشجاعة، ولكني أيضا على يقين أنها ستشكل النقطة الأولى لبداية التراجع للتمدد الإيراني. وثاني خطوة في السلاح الفاعل ضد المشروع الإيراني لها علاقة بالحكومة اليمنية الشرعية، التي تحت يدها مجموعة من الأدوات السياسية، ولكن حتى الآن لم تستخدمها بفاعلية، أولها إعلانها الواضح أنها تريد تنفيذ خريطة طريق واضحة لليمن المستقبلي، اتفقت عليها التيارات الوطنية اليمنية قاطبة، وتعتمد على إزالة «النظام السابق الفاسد»، أي مجموعة علي صالح، وتعطيل مشروع الحوثي النكوصي، الذي هو من بقايا الإمامة، وأليس من الملاحظ أن الحوثيين يسمون أنفسهم «أنصار الله»، وعندما أعلن الإمام أحمد بن حميد الدين نفسه إماما على اليمن عام 1948 قال إنه «الناصر لدين الله»! ومن الأهمية إعلان الحكومة الشرعية بأنها تسعى إلى إحلال حكومة منتخبة من الشعب اليمني، تنفذ ما تم الاتفاق عليه بين الفرقاء، ليس في المجمل ولكن في التفاصيل، منها اعتماد الديمقراطية وصناديق الانتخاب حكما بين المتنافسين السياسيين، ومنها اعتماد اللامركزية في الحكم والإدارة بما فيها توزيع الأكلاف والمغانم بشكل متساوٍ، ومنها إعلاء حقوق الإنسان اليمني واحترام آدميته، في المقابل فضح المشروع المضاد الذي يحمل حلما قرن أوسطي بإعادة حكم الإمامة وسيفها التسلطي المتخلف الكهنوتي في شكل سيطرة ميليشيات لأقلية تأتمر بأوامر من الخارج، هي الميليشيات الحوثية.

تلك المعركة الثلاثية تجاه اليمن التي لم تُسل أدواتها من الغمد حتى الساعة، وهي الوحدة الخليجية، بما فيها انضمام اليمن في وقت لاحق تحت حكم ديمقراطي رشيد إلى المنظومة، وبما فيها البرنامج السياسي الواضح للحكومة الشرعية القائم على الحكم الحديث والرشيد، وهو أمر ناضلت من أجله النخب اليمنية على مر قرن كامل، ومنها فضح الأقلية المسلحة التي تريد رهن اليمن إلى الخارج، وهو يمن يعتز بعروبته.

يعتمد الطرف الآخر على مقولات ضبابية منها «الموت لأميركا وإسرائيل»، ومنها دغدغة عواطف الشعور الوطني اليمني، ومعها تكتيكات سياسية وإعلامية تشابه تماما ما يستخدمه «حزب الله» في لبنان، وطبق الأصل في العراق، وهي جميعا مفرغة من المعنى، ومضادة لمسيرة تاريخ الشعوب، فلم تعد الشعوب بقابلة في هذا الزمن الهيمنة الخارجية أو الحكم الكهنوتي.

علينا أن نعترف بأن معركة اليمن طويلة ومكلفة وتحتاج إلى صبر وتضحيات، ووضع خطط طويلة المدى واستخدام الأدوات السياسية والإعلامية المتاحة، بجانب الجهد العسكري المكثف، من أجل سد باب التدخل الأجنبي، والأهم أن يعرف اليمنيون جميعهم أن ذلك التدخل الأجنبي هو لاختطاف وطنهم وغمره بالدم والدموع والفقر والاستبداد، وما خوض الخليجيين الحرب معهم جنبا إلى جنب، إلا من أجل اليمن وكل اليمنيين. لقد حوّل سدنة المصالح الإيرانية في صنعاء العاصمة إلى مدينة أشباح، وهو ما ينتظر جميع مدن اليمن في المستقبل، في حال تغلب المشروع الإيراني وجرى «أرينة اليمن» وتجيير مستقبلها للولي الفقيه! الذي فشل مشروعه في عقر داره، كما فشل في الجوار، ولن يقتنع اليمنيون، بتاريخهم العربي الضارب في العمق، أن يحكَموا من طهران في القرن الواحد والعشرين.

آخر الكلام:

شهد اليمن مبكرا محاولات التخلص من الحكم الكهنوتي، أولها في عام 1948 وثانيها في عام 1955، حتى انتصر الشعب اليمني عام 1962، وأعاد انتصاره في ثورة الشباب عام 2011، وليس بالمستغرب أن يستمر في الانتصار على قوى التخلف.

&&