&عاموس هرئيل&

في الوقت الذي يشاهد فيه الجمهور الأمريكي ما يحدث في النفس المظلمة للمرشح الجمهوري للرئاسة، تتصاعد اللهجة الكلامية في الحرب الباردة بين القوى العظمى. ساحة الصراع الاساسية هي سوريا، لكن الاشارات على التوتر بين الولايات المتحدة وروسيا تبدو واضحة في كل مكان ـ وقد تؤثر ايضا على الانتخابات للرئاسة.

في نهاية الاسبوع طالب وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، بالتحقيق في جرائم الحرب التي نفذتها روسيا ونظام الاسد من خلال قصف المدنيين في سوريا. اتهمت ادارة اوباما، لاول مرة بشكل رسمي، روسيا بالمسؤولية عن هجمات السايبر واقتحام حواسيب الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة التي تهدف إلى التدخل في الانتخابات. وسائل الإعلام الأمريكية تتحدث عن الاحراج المتزايد في واشنطن على خلفية الخطوات الروسية، وبعض التحليلات تطالب الادارة بشكل علني القيام بخطوة عسكرية محدودة ضد النظام السوري كرسالة لموسكو.

في الطرف الثاني، صادق البرلمان في روسيا على الاتفاق مع سوريا، الذي يقضي بأن موسكو ستقوم بالاستمرار في تشغيل موقع سلاح الجو الخاص بها في اللاذقية في شمال غرب سوريا. وهددت روسيا بأنها ستعتبر كل هجوم أمريكي على نظام الاسد عملا من شأنه أن يهدد الجنود الروس في سوريا. وتحدثت وسائل الإعلام الروسية عن التوجيهات المتشددة لاطلاق النار، التي أعطيت للقوات في سوريا، في حال تعرضها للخطر.

في نفس الوقت، تنشر وسائل الإعلام الدولية معلومات اخرى حول حجم الانتشار العسكري الروسي في سوريا. والحركة في ميناء طرطوس في سوريا، حيث تمت مضاعفة التواجد الروسي منذ انهيار وقف اطلاق النار في 19 ايلول/سبتمبر. وقد أرسلت روسيا مؤخرا سفينتين اضافيتين حاملة للصواريخ إلى شواطيء سوريا، ونشرت صواريخ جديدة من نوع أرض جو، ويبدو أنها أرسلت المزيد من طائرات «سوخوي».

التقارير والتحليلات في واشنطن مملوءة بالمقارنة التاريخية: فيتنام وافغانستان، ازمة الصواريخ في كوبا والصراع بين القوى العظمى في برلين في بداية الستينيات. وزعمت «واشنطن بوست» أول أمس من خلال الكاتب المحافظ جورج ويل، أن الرئيس الروسي فلادمير بوتين «يعيد العالم إلى الثلاثينيات» (أي إلى ايام القاتل ستالين). ولكن على الرغم من اللهجة الحاسمة، تصعب معرفة إذا كانت التوبيخات والاحاديث الاخلاقية الأمريكية لروسيا، قد تمهد الارض لعمل عسكري حقيقي في سوريا. هنا ايضا، الانتخابات للرئاسة لها تأثير كبير. إذا كان انطباع ادارة اوباما أن الزعزعة الجماهيرية الواضحة من نشر الشريط الاخير لدونالد ترامب، ستزيد بشكل حقيقي الفجوة لصالح هيلاري كلينتون، فيمكن أن تقرر الادارة أن قصف حلب لا يبرر تعريض الانتصار الديمقراطي في الانتخابات للخطر.

إن مستوى وسرعة التصريحات مع الكثير من التطورات في سوريا نفسها، يستوجب متابعة يقظة من قبل إسرائيل. ورغم أنه ليس متوقعا اندلاع مواجهة عسكرية بين الطائرات الأمريكية وسلاح الجو الروسي، إلا أن ذلك سيؤثر إلى حد كبير على إسرائيل.

وعلى الرغم من أن إسرائيل توجد بشكل علني في المعسكر الأمريكي، إلا أن حكومة نتنياهو اهتمت في السنة الاخيرة بتحسين وتقوية العلاقة مع موسكو، خصوصا لمنع حدوث اخطاء وحوادث جوية مع الطائرات الروسية. قبل شهرين فشلت محاولة الجيش الإسرائيلي اسقاط طائرة بدون طيار روسية عبرت الحدود، خطأ كما يبدو، في هضبة الجولان. وكانت هناك تقارير لم يتم تأكيدها حول قدرة المضادات السورية على سد الطريق أمام طائرات سلاح الجو الإسرائيلي في سماء سوريا.

اللقاءات الكثيرة بين رئيس الحكومة والرئيس بوتين لم يتم التعامل معها بحماسة في واشنطن، لكن نتنياهو اعتبرها عنصرا حيويا في ابقاء إسرائيل خارج المواجهة في سوريا. ورغم أن إسرائيل غير راضية عن ازدياد قوة الاسد في الحرب الاهلية، بفضل المساعدة الروسية والإيرانية، إلا أنه من الواضح أن التدخل الأمريكي المباشر في سوريا قد يزيد من سخونة الاوضاع الاقليمية وقد يحرق الاوراق في عدة ساحات ثانوية تتأثر مما يحدث في سوريا ومن التوتر بين القوى العظمى.

من اجل تقوية الدفاعات الروسية الجوية في سوريا، هناك تأثير محتمل آخر بالنسبة لإسرائيل. فقد أعلنت روسيا في الآونة الاخيرة عن نشر سلاح يشمل صواريخ اس 400 وانواع مختلفة من صواريخ اس 300، اضافة إلى الاجهزة الدفاعية الموجودة على السفن. وبعض هذه الاسلحة يبلغ مداها حوالي 400 كم. منذ العام 2012 نشرت تقارير كثيرة في وسائل الإعلام الاجنبية عن قصف سلاح الجو الإسرائيلي لقوافل السلاح من سوريا إلى حزب الله في لبنان. ولم تصادق إسرائيل رسميا، رغم أن نتنياهو تحدث بشكل عام في خطابه في الأمم المتحدة قبل سنة حول جهود إسرائيل لمنع التهريب.

إن تعزيز السلاح الروسي سيؤثر على أي خطوة لسلاح الجو الأمريكي أو الإسرائيلي في سوريا أو لبنان. حزب الله اليوم هو جزء من المعسكر الذي تقوده روسيا والذي يقوم ايضا بتشديد الخناق على حلب لصالح نظام الاسد في سوريا. ويمكن أن تعتقد المنظمة الشيعية أن تقوية العلاقة مع موسكو والتواجد الروسي يسمح لها بحرية العمل بخصوص تهريب السلاح.

حزب الله قد يحاول في هذه الظروف ادخال سلاح متقدم إلى لبنان، بعضه من صنع روسي، الامر الذي أعلنت إسرائيل في السابق عن اعتباره خط أحمر.

&هآرتس&