&&حسين شبكشي&

&&لا يمل ولا يكل المثقف العربي من طرح سؤالين متكررين وهما: لماذا تخلف العرب؟ ولماذا هم أحسن منا؟ وطبعًا في وسط الأجواء الملغومة الحالية ليس بغريب أن يتجدد السؤال أو السؤالان مرة أخرى (وهل كنا في أي وقت في آخر مائة عام على أقل تقدير لا نعيش في أجواء ملغومة!)، وعادة ما تكون الإجابة عن السؤالين مليئة بالطرح المعقد والكلمات المقعرة التي لا تفهم للعامة.

الخطاب الديني قاد حملة «الصحوة» و«النهضة» ولكنه تفرغ في الأساس للتشكيك في العقائد وسلامتها وأغفل وأهمل التركيز على فقه المعاملات، أما الخطاب السياسي فكان همه التركيز على إنجازات الحاكم بغض النظر عن رأي المحكوم والشعب والمواطن، وانتشرت وترسخت مفردات مثل «توجيهات» و«تعليمات» و«السياسة الرشيدة» و«النظرة الثاقبة» في توصيف قرارات الحاكم، وهي لغة كرست الفجوة بين منظومة الحاكم والشعب، وكل ذلك كان على حساب إيجاد علاقة سوية فيها واجبات وحقوق واضحة بين الطرفين بدلاً من علاقة «ضبابية» غير واضحة الملامح ولا الصفات.

حصل ذلك وسط توقف عقارب الزمن بل وعودتها إلى الوراء في الكثير من الأوقات. وبينما كان ركاب التقدم والهمة ينطلق في دول مختلفة كانت عما قريب تعتبر في عداد الدول المتخلفة مقارنة بدول العالم العربي، دول مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة وغانا وإثيوبيا كانت كل منها على حدة تعاني مر المعاناة لأسبابها الخاصة؛ منها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، ولكنها أيضًا وضعت الأهداف وبدأت خطط العمل الجدية.

ولعل المثال الذي لا يمل تكراره هو قصة الانتقال والتحول المذهل الذي حصل لسنغافورة، وذلك عبر سنوات قليلة. ومن أهم الأهداف التي وضعها كوان يوو رئيس وزراء سنغافورة الراحل ومؤسسها الحديث كان «النظافة الاستثنائية»، وهو الذي ابتدع غرامات أسطورية وخيالية لمن يلقي بالقمامة والنفايات في الشارع أو لمن يلقي بـ«العلكة» على قارعة الطريق، والسبب في ذلك نابع من أن هناك سمعة أتت مع استقلال سنغافورة.. سمعة كانت تقول إنها جزيرة قذرة، بل إن هناك مصعدًا قديمًا جدًا (من أوائل المصاعد في الجزيرة) لا يزال به لائحة صغيرة تقول: «نرجو عدم التبول داخل المصعد»، مما يعني أن هذه الظاهرة كانت بالفعل موجودة وقائمة!

طبعًا ركز كوان يوو على التعليم بشكل عنيف جاعلاً كل سنغافوري يتحدث ثلاث لغات كحد أدنى وهو في المرحلة الدراسية، مانحًا إياه ميزة تنافسية لافتة وجعله بشكل فوري ومباشر مطلوبًا في سوق عمل عالمية لا ترحم.

الإجابات عن الأسئلة «إياها» لا تتطلب جهدًا عظيمًا ولا عبقرية استثنائية ولا مجهودًا خرافيًا.. إنها تتطلب مصارحة ووضوحًا وعملاً حقيقيًا فيه تقديس جدي لقيمة العمل والإعداد الصحيح له بالتخطيط والتعليم والتأهيل والتدريب بدلاً من اتباع أشباه الخطط وأنصاف التعليم فينتج ما نراه حولنا.

العالم مليء بـ«النظريات» المبهرة والمفسرة للحالات العلمية المختلفة، ولم يجد العرب لتفسير حالهم سوى «نظرية» واحدة هي «نظرية» المؤامرة!

&

&