&أحمد يوسف أحمد

درج قطاع من الرأي العام العربي، وبالذات في أوساط النخبة السياسية والإعلامية والمثقفة بمناسبة الانتخابات الرئاسية الأميركية كلما اقتربت ساعة الحسم على الانخراط في مساجلات تحاول الإجابة على سؤال أي المرشحَين أفضل للمصالح العربية؟ وذلك على رغم أن مرور العقود قد أكد بما لا يدع مجالاً للشك أن للسياسة الأميركية تجاه العرب ثوابت لا تهتز وأهمها المساندة المطلقة لإسرائيل، وليس أدل على ذلك من أن أوباما الذي اصطدم معه نتنياهو كما لم يصطدم رئيس وزراء لإسرائيل مع رئيس أميركي من قبل يُنهي ولايته بثمانية وثلاثين مليار دولار كمساعدات عسكرية لإسرائيل في السنوات العشر القادمة، غير أن تقليد الاهتمام العربي اللافت بالانتخابات الرئاسية الأميركية يستمر، وليس في هذا مشكلة في حد ذاته إذ تبقى هذه الانتخابات حدثاً من شأنه أن يؤثر على مجريات الأمور في العالم، غير أن المشكلة أن الاهتمام يبقى معلقاً بحكم العادة على فكرة أي المرشحَين أفضل للعرب؟ وربما يوجد هذه المرة ما يبرر ذلك نظراً لما يبدو من أن السباق الحالي إلى البيت الأبيض يتضمن جديداً على ضوء الشخصية المثيرة للجدل للمرشح الجمهوري، ومن ناحية أخرى فإن المرشحة الديموقراطية معروفة بتبنيها للفكرة التي يختلف معها عديد من الدول العربية، وهي النظر إلى الحركات السياسية التي تنسب نفسها للإسلام باعتبارها رقماً ضرورياً في معادلة المستقبل في المنطقة! وهكذا فإن العرب المعادين لهذه الحركات يتحسبون لفوز كلينتون مع أن ترامب لم يدخر وسعاً في الإدلاء بتصريحات معادية في جوهرها للإسلام والمسلمين، ناهيك عن وعده بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وتصريحاته الفجة عن «الحماية بأجر» لمن يريد، والواقع أنه قد آن الأوان لمقاربة عربية جديدة كلياً لموضوع الانتخابات الرئاسية الأميركية.

وثمة عنصران أساسيان لهذه المقاربة ينطلقان من فكرة واحدة وهي ضرورة تحويل بؤرة التفكير العربي من موضوع ماذا سيفعل كل من المرشحين بنا إذا فاز إلى كيف يكون لنا دور للمساهمة في تحديد من يفوز، بل وتحديد سياساته؟ والعنصر الأول أن نبدأ من الآن في التفكير في لوبي عربي يكون له تأثير ما في الانتخابات الأميركية سواء التنفيذية أو التشريعية على المستوى الاتحادي ومستوى الولايات، وسيُقال عن أي تأثير تتحدث؟ والرد أنني أتحدث عن تأثير وكفى، ومن المعروف في قواعد اللعبة الانتخابية أنه عندما تستعر المنافسة وتتوازن أطرافها يكون لأصحاب الوزن المحدود دور أكبر. وسيقال أيضاً ولكن هناك بالفعل أميركيين عرباً لهم أدوارهم المهمة في السياسة الأميركية، والرد أن المطلوب ليس أدواراً فردية وإنما «لوبي عربي»، وستثار كذلك قضية الخلافات بين الدول العربية وكيف يمكن لهذه الخلافات أن تُخرب أي مجهود صادق لبناء هذا اللوبي، والرد هو: من قال إن المهمة سهلة؟ هي غاية في الصعوبة ولكن مردودها يستحق العناء.

أما العنصر الثاني لهذه المقاربة الجديدة فهو التوقف عن انتظار الأفعال من الغير والمبادرة بأفعال مؤثرة تحمي مصالحنا وتحقق أهدافنا، وعلى سبيل المثال فإننا نحتفل في هذه الأيام بإنجاز أكتوبر 1973، وهذا الإنجاز تحديداً هو فعل عربي في مواجهة إرادة دولية لم تكن تريد للعرب أن يقاتلوا إسرائيل، ولكن العرب فعلوها وفرضوا إرادتهم على من حاول أن يفرض عليهم السكوت والقعود. وغير هذا المثال أمثلة أخرى والمعنى واضح، فالسياسة الخارجية للولايات المتحدة مصممة أساساً لتحقيق مصالحها وليس لأي شيء آخر، وهي تنبع من ثوابت هذه المصالح، وتغيير هذه السياسة لصالحنا لن يحدث إلا إذا أثبتنا للجميع أن تجاهلهم مصالحنا سيؤثر بالسلب على مصالحهم، ولذلك فبدلاً من الجدل القديم حول مَن أصلح للعرب؟ أهو المرشح الديموقراطي أم الجمهوري؟ وما الوضع الأمثل لنا؟ أن يكون الرئيس في ولايته الأولى أم الثانية؟ بدلاً من ذلك لنكن على ثقة وبينة من أن الأفضل هو نحن، فنحن الذين نستطيع بأعمالنا أن نأخذ من الرئيس الأميركي أياً كان أفضل ما يحقق مصالحنا.