&أحمد أميري

هناك عوامل عدة تجعل الشاب الغربي من أصول عربية أو إسلامية متشدداً دينياً، ثم متطرفاً، ثم يخرج باحثاً عن وسيلة تأخذه إلى حيث مناطق تمركز الإرهابيين في الشرق الأوسط، وواحد من تلك العوامل هو الأفكار الدينية التي زرعت في رأسه.

وعلى رغم أن المتطرف الغربي وُلد ونشأ في بلد لا يُذكر فيه اسم فقيه من الفقهاء، ولا تعرض في تلفزيوناته مسلسلات تحكي قصة الأندلس، ولا أحد يستشهد أمامه بأقوال الحجاج، ولا يدري شيئاً عن الخلافات بين المذاهب، وإذا كان قد درس في المدارس العادية، فلم يسمع معلمه وهو يتباكى على حال الإسلام، ولم يقل له الكتاب المدرسي إن فترة الخلافة كانت أزهى العصور، وربما كان أفراد أسرته مسلمين بالاسم فقط.. ومع هذا، وفي لحظة ما، وباجتماع بقية العوامل، يتحول إلى كائن قادم من العصور الوسطى!

ابن باريس وبرلين وبروكسل، الذي ينتمي لحضارة تؤمن بأن الإنسان هو المبدأ الأول والأخير، وأنه محور العالم، وأنه حر في اختياره، وأن الحكم النهائي في كل الأمور للعقل، وأن الدين شأن شخصي بحت، وأن رجال الدين مكانهم في دور العبادة، وأنهم حتى بين تلك الجدران الأربعة ليسوا أحراراً في التحريض والشحن، ويرى ويعيش ويتنفس ويتلمس آثار هذه الحضارة، تساوى في لحظة ما بابن أي قرية نائية في بلد إسلامي ينتمي لحضارة تؤمن بعكس هذا تماماً! فكيف يحدث ذلك؟!

كل الذي يحدث أن أباً، أو قريباً، أو إمام مسجد، أو كتاباً، أو موقعاً على الإنترنت، يهمس للشاب بـ«سرّ وجوده»، وهو السرّ نفسه الذي يتوصل إليه تدريجياً المتطرف الذي يُولد وينشأ في مجتمع إسلامي، وهو أن المسلم مكلّف من عند الله بتحويل البشرية إلى الإسلام، وسحق كل من يقف في وجه هذا التكليف الإلهي، والقضاء على من يقفون على الحياد أيضاً!

وهذا يحيلنا إلى السؤال التالي: إذا هبطت على الشرق الأوسط أعمدة النور من السماء، وصار هذا الجزء من العالم قطعة من الغرب، حيث الإنسان هو المبدأ الأول والأخير، والعقل هو الحكم، والعلم فوق الجميع.. فهل ستنتهي مشكلة التطرف الديني؟ أعتقد أن الإجابة سنجدها على وجه الشاب الغربي الذي قطع آلاف الأميال حتى وقف بين يدي إرهابي مجنون وبايعه على السمع والطاعة!

التطرف الديني لن ينتهي إلا بمواجهة روافده، وجذوره، وأسسه، وحججه، ثم إغلاق تلك الروافد، وقطع الجذور، وتحطيم الأسس، وتفنيد الحجج، الواحدة بعد الأخرى، وليس بأي حال من الأحوال بترك كل ذلك كما هو وتفاديه كأنه مجرد حصوات على جانب طريق سريع.

إعادة الاعتبار للعقل، وإعلاء شأن العلم، وبث القيم الإنسانية، وتخفيف الجرعة الدينية، وتجفيف منابع التطرف، وملاحقة دعاته ورموزه، والقضاء بطبيعة الحال على جميع عوامل التطرف الأخرى ذات الجذور الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، كلها ضربات مباركة ورائعة على وجه التشدد، ستضعفه كثيراً وستجعله يتأوه ويترنح لكنه لن يسقط، ولابد من ضربة قاضية ختامية، إذ لا تدري متى يقف التشدد على قدميه من جديد ويعود للانتقام من الجميع!