ندى الأزهري

«تمثلات ظاهرة النجم محمد عـــساف في المجــتمع الفـــلسطيــني واستــقــبــالها وتــحليلها سوسيولوجيــاً» باعتبارها ظاهرة اجتماعية كلية، دراسة قيمة وممتعة نشرتها مجلة إضافات الصادرة عن مركز دراسات الوحدة العربية.

من المعروف أن عساف فاز في «أراب آيدول»، ما شكل ظاهرة كون الفائز فلسطينياً. حلل أستاذ علم الاجتماع في جامعة بيرزيت أباهر السقا هذه الظاهرة والبرامج التلفزيونية صانعة النجوم وهذا ما يهمنا هنا.

تربط الدراسة بين ظهور عساف كنجم ورمز فلسطيني «بمآل المشروع الفلسطيني وتعثره» وبكون هذا يتجاوز الصورة النمطية للفلسطيني «المناضل»، كما ربطت بين الفوز واستعادة حضور فلسطين في الساحة الثقافية العربية ليس عبر «القراءة» بل عبر «شاشات التلفزيون وأدوات شعبوية معصرنة قادرة على النفاذ للجمهور باعتبارها منتوجات استهلاكية بامتياز كبرامج «أراب ايدول» و «ستار أكاديمي». 

هذه البرامج المعولمة تعتمد في شكل أساسي على المستهلك والتقنيات التسويقية الجديدة عبر العالم الافتراضي وتلفزيون الواقع وتعمل مع الفيديو الكليب على «بث عوالم متعددة من التخيلات عن النجاحات الفردية ومعاييرها التي تشبه بعض عناصر الحلم الأميركي»، هذا لتوهم الجمهور «بأنه يحقق رغباته، بل يمارس دوره الاجتماعي المسؤول من دون أن يشعر بأنه خاضع لأدوات هيمنة».

في هذه الزاوية التلفزيونية نشرت لكاتبة هذه السطور مقالة عن محمد عساف وعن البرامج التي «تصنّع» نجوماً ونالت من التهجم ما نالته، إذ اعتبرت نيلاً من «الفلسطيني» الذي مثل عساف تضحياته للوصول إلى ما لا يمكن الوصول إليه. هذا دون الاكتراث بكون «القضية» ليست في فلسطينية عساف بل في نجاح شاب في برنامج تلفزيوني منسوخ عن برامج غربية معولمة، لم يكلف نفسه تغيير العنوان ولا التفكير في معناه.

برنامج يحيل أي شاب أو شابة طموح إلى مجرد «صنم» إعلامي خلقته وتتلاعب به برامج الاستهلاك، هدفه كغيره من البرامج المماثلة الانتشار والربح واستغلال جنسيات المرشحين للإكثار من التصويت وبالتالي الاتصالات وزيادة المردود. لم يكن الهدف بطل «أراب ايدول» الذي تداول اسمه أكثر من غيره، بمقدار ما كان مفهوم «صناعة» النجوم والمنطق الاستهلاكي الذي يحكم علاقة التلفزيون بجمهوره.

ففي هذه البرامج المعولمة، تفرض الجهات المهيمنة ثقافياً رؤيتها على مجموعات مستهلِكة من خلال بث تصورات معيارية مفروضة من المؤسسة لإخضاع الأفراد وهنا وفق بورديو نحن أمام «الحرية الفردية التي تعطي الانطباع للفرد الخاضع للمنطق المؤسسي بأنه يمارس ذاته». العمليات المصاحبة لصناعة النجم من خلق استراتيجيات تأقلم مع ممارسات الرأسمالية الجديدة، تجعل الجمهور يخضع لمنطق السوق والتسويق للصوت والجسد والجمال والحضور وتجعل الجماليات ترتبط في شكل أساسي بالصورة وبالإلكترونيات، وبعمليات الترويج الدعائية أكثر من الفعل الأدائي الفني ذاته.