عون يواصل خطاب الانفتاح وسط الحشد الشعبي والحريري سعى إلى «الضمانات» في الخارج

 وليد شقير 

يتأرجح الفرقاء اللبنانيون الذين ينتظرون اتضاح مآل الاتصالات النهائية في الملف الرئاسي بين هبة باردة وأخرى ساخنة، في انتظار ما يمكن أن يعلنه زعيم تيار «المستقبل» سعد الحريري حول دعمه ترشيح زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون للرئاسة ليبني كل فريق على الشيء مقتضاه، وسط موجة تصريحات من عدد من نواب «التيار الحر» بأن الحريري حسم خياره بتأييده «وسيعلنه خلال يومين»، استناداً إلى تبلغ رئيس التيار جبران باسيل بذلك.

ولعل الموقف المستجد لرئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط أول من أمس بالدعوة إلى «تسوية وانتخاب الرئيس أياً يكن»، رفع من منسوب التوقعات بقرب إعلان الحريري تأييد عون، خصوصاً أن جنبلاط أبلغ قيادات في الحزب التقدمي الاشتراكي أنه إذا أعلن الحريري عن هذا الخيار فإنه سينسجم معه ويؤيد عون أيضاً، كما قالت مصادر حزبية.

وإذ كرر غير مسؤول من التيار العوني أن الحريري كان أبلغ زعيمه حين التقاه في 30 أيلول (سبتمبر) الماضي، أنه يحتاج إلى ما يقارب الأسبوعين من الاتصالات الخارجية والداخلية قبل أن يعلن تأييده له، فإن موجة التفاؤل التي ظهرت قبل 48 ساعة خضعت للتجاذب فيما الحريري في فرنسا، وسط تقاطع بعض المعلومات عن أنه يستكمل اتصالاته الخارجية لتحصين قراره المزمع.

صيغة الإعلان وخطاب عون

ورافقت الترقب تسريبات بأن صيغة إعلان الحريري تأييده عون بقيت حتى نهار أمس تحت الدرس والتمحيص: هل تتم في مقابلة تلفزيونية ترددت معلومات في الأوساط السياسية عن اتصالات جرت في شأنها، أم تتم في مؤتمر صحافي يعقده محاطاً بأعضاء كتلته النيابية؟ وتردد، بحسب قول مصادر سياسية معنية بانتظار موقف زعيم «المستقبل» لـ «الحياة»، أن قادة «التيار الحر» يفضلون الصيغة الثانية للدلالة على أن أعضاء كتلة الحريري النيابية منسجمون معه في خياره، وسط الحديث عن رفضه من بعضهم واتجاههم إلى عدم التصويت لعون.

ومع أن نواب كتلة الحريري ظلوا يتسقطون أخباره مثل سائر الفرقاء الذين انتظروا الخبر اليقين، فإن الأنظار تتجه اليوم إلى الخطاب الذي سيلقيه العماد عون في الحشد الشعبي الذي دعا إليه تياره قرب القصر الرئاسي في بعبدا إحياء لذكرى 13 تشرين الأول (أوكتوبر) عام 1990 حين أخرجه الجيش السوري من القصر. ويجري الحشد تحت شعار: «يكون الميثاق أو لا يكون... لبنان»، على أن يركز الجنرال في كلمته كما تتوقع مصادر التيار، على تحديد صفة «الرئيس القوي» التي أصر عليها في اختيار رأس السلطة في لبنان، نظراً إلى ثقل تمثيله المسيحي شعبياً كميزة مطلوبة في الرئيس العتيد كي يتمكن من الحكم تعزيزاً للمشاركة المسيحية فيه، أسوة بالقوة التمثيلية لرئيسي البرلمان والحكومة. وتنتظر هذه المصادر أن يشدد عون على أن الرئيس القوي هو لكل لبنان لا لطائفته فقط. ويتوقع بعض الأوساط من عون أن يكرر مخاطبة الطائفة السنية بلغة تصالحية مثلما فعل في مقابلته التلفزيونية قبل زهاء أسبوعين، وتبعه في ذلك رئيس «التيار» الوزير جبران باسيل الخميس الماضي حين شدد على أن زعامة الحريري ترمز إلى الاعتدال السني. وهو الأمر الذي كان الزعيمان اتفقا عليه لطمأنة جمهور الحريري إزاء خياره والتخفيف من معارضته لدى مناصريه.

وتقول مصادر مواكبة للاتصالات الرئاسية أنه إذا بقيت موجة التفاؤل على حالها، ولم تظهر معوقات لدعم الحريري عون فإن تسلسل الأحداث المتوقع لا يعني أن الأمور ستجد طريقها إلى النهاية السعيدة سريعاً، لأنه يفترض أن يستبق الحريري ذلك بالاجتماع إلى كتلته النيابية كما وعد أعضاءها في اجتماعين سابقين، هذا فضلاً عن أن الخطوات التي يفترض أن تلي إعلان خياره تتدرج كالآتي:

- أن يتوجه العماد عون إلى الحلفاء المعترضين على خياره في قوى 8 آذار، لإقناعهم به، وفقاً للنصيحة العلنية التي قدمها إليه الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله في خطابه الثلثاء الماضي، وتحديداً إلى رئيس البرلمان نبيه بري ورئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية، اللذين يربط نواب آخرون من الحلفاء موقفهم بالتشاور معهما. وسيكون على عون أن يتواصل مع بري بعدما اشترط إعلان الحريري دعمه ليقوم بالخطوة، مستنداً إلى الخرق الذي يكون قد حققه بحصد تأييد زعيم «المستقبل»، لمحاولة تبديد تحفظات رئيس المجلس على التفاهمات الثنائية التي عقدها عون مع الحريري ومع رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع حول المرحلة المقبلة وما تردد عن أنها شملت تعيينات وحقائب وزارية وحصصاً...

لن يخاطر

- أن التواصل مع النائب فرنجية يشكل الامتحان الأبرز نظراً إلى ما أشار إليه عدد من الأوساط بينها عونية، عن أن الجنرال لن يخاطر في النزول إلى البرلمان في ظل استمرار فرنجية في ترشيحه، إذا كان هناك احتمال أن يصر الأخير على ذلك وفق ما أعلنه من دارة الرئيس بري مطلع الأسبوع. فهناك خشية عونية من أن يؤدي تأمين نصاب الجلسة النيابية الانتخابية، في ظل استمرار ترشيح فرنجية إلى توزيع لأصوات الاقتراع السري يحمل أخطار تأمين أكثرية لرئيس «المردة»، إذا صحت الأنباء عن أن بعض نواب «المستقبل» قد يتمردون على قرار الحريري، وكذلك بعض نواب كتلة جنبلاط ونواب كتلة بري. ومن هنا إصرار عون على انسحاب فرنجية من السباق شرطاً للنزول إلى البرلمان. وإذا لم ينسحب فإن السؤال يطرح عما إذا كان الحزب سيضع ثقله في هذا الاتجاه، على رغم إعلانه السابق أنه لا يضغط على الحلفاء. وإذا فعل سيقود الأمر إلى شرخ مع «المردة». وإذا لم يفعل سيثير ذلك العونيين.

- تقول مصادر سياسية متابعة لموقف «حزب الله» أنه لن يقدم على أي خطوة في الرئاسة أكثر مما فعل في تأكيد دعمه عون، إلا بعد إعلان الحريري دعمه له، في وقت اتفق الحريري مع عون أنه إذا كان مطلوباً من الحزب خطوات لإزالة أي مخاوف أو معوقات من أمامه، فإن هذه المهمة تقع على عون وليس على زعيم «المستقبل». وفي تقدير هذه المصادر أن الحزب يهتم لأمرين: الأول التأكد من أن تحالف عون مع جعجع لن يؤدي إلى سياسة معاكسة لسياسته في قابل الأيام وهو ما يشاطره فيه بري نتيجة المخاوف الضمنية من تكتل القوى المسيحية الوازنة، والثاني هو الخشية من أن يؤدي التحالف العوني الحريري الذي سيقود الأخير إلى رئاسة الحكومة إلى اضطرار عون إلى مسايرة موقفي جعجع والحريري من سياسة الحزب الإقليمية. فجعجع يراهن على أن يصبح عون على مسافة من الحزب في الرئاسة وأن يتمايز عنه في شأن الحروب الإقليمية التي يخوضها. وبعض محيط الحريري ليس بعيداً عن هذه المراهنة ولو أقل من «القوات». وعليه فإن قيادة الحزب لن تطمئن لتولي الحريري الرئاسة الثالثة، إلا بعد التفاهم معه على جملة أمور هي التي حتمت توافق الثنائي الشيعي على اشتراط السلة، أو التفاهمات المسبقة قبل الانتخابات الرئاسية. ومن الطبيعي أن تشمل في هذه الحال الأوزان داخل الحكومة ومسألة الثلث الضامن والمناصب الأمنية والبيان الوزاري، تمثلاً بتفاهم بين عون والحريري حول بعض هذه العناوين كما تسرب عن لقاءات فريقيهما. وفي رأي المصادر إياها أن صعوبة التوافق على هذه التفاهمات تسبب إعاقة لعملية ملء الشغور، وأن جنبلاط أدرك ذلك، (فضلاً عن أنها تمت من دونه...) فدعا إلى التخلي عنها واصفاً إياها بالسلال الفارغة، قبل أن يعود ويؤكد دعمه طرح بري لها.

وتقول المصادر المتابعة لحركة الحريري الخارجية أن مخاوف تياره من احتمال عرقلة مهمته من قبل الحزب وبعض حلفائه، في رئاسة الحكومة، إذا سارت الأمور نحو خواتيمها، ربما تكون دفعته إلى توسيع مروحة مشاوراته نحو الخارج، في محاولة لنيل الدعم والضمانات لمساندة تركيبة الحكم العتيدة، بحيث لا يقود تفاقم الصراع الإيراني السعودي إلى وضع طهران والحزب ونظام الأسد، العصي في دواليب العهد الجديد والحكومة التي يرأسها، خصوصاً أنه تلقى تحذيرات من أن الحزب لن يسهل له مهمته بعد ملء الشغور الرئاسي، وإن لم يفعل ذلك في الحكومة الأولى التي ستشرف على الانتخابات النيابية ففي الحكومة التي ستليها.

تنتهي المصادر المتعددة إلى أن التدرج في جهود تذليل الصعوبات بعد إعلان الحريري المفترض لخياره النهائي قد يتطلب وقتاً، وأن الرئيس بري سيغادر لبنان إلى مؤتمر الاتحاد البرلماني الدولي في جنيف آخر الأسبوع المقبل ولن يعود إلا قبل يومين من الجلسة الانتخابية الرئاسية المقبلة للبرلمان في 31 الجاري، ما يعني أن فسحة الوقت المتبقي لا تسمح بإنجاز ما تفرضه التعقيدات من تفاهمات.