باسم فرنسيس 

تشير التكهنات إلى قرب انطلاق أوسع عملية عسكرية يشهدها العراق ضد تنظيم «داعش» لطرده من آخر معاقله قبل حلول الشتاء، في ظل قلق متزايد من تصاعد التوتر بين أطراف المعادلة محلياً وإقليمياً حول بسط السيطرة على الأرض وفرض النفوذ.

وعلى رغم التفاؤل الذي يخيم على الأجواء بقدرة القوات العراقية على تكرار تجاربها في استعادة المناطق الغربية السنية، الرمادي والفلوجة وتكريت، خصوصاً بعد تجاوز الأكراد والحكومة العراقية بعض الخلافات حول مستقبل المدينة بعد «داعش»، فإن المخاوف تتزايد من أن يؤدي التصعيد بين أنقرة وبغداد، إلى تأجيل موعد المعركة.

ويحذر المراقبون من أن الانقسام السياسي القائم قد يتحول إلى صدامات تؤدي إلى حرب مفتوحة، بين فصائل قوات «الحشد الشعبي» الشيعية، وأخرى موالية لحزب «العمال الكردستاني» المدعومة من بغداد من جانب، والقوات التركية المتمركزة في معسكر قرب ناحية بعشيقة بسهل نينوى، وقوامها يتجاوز الـ800 جندي، والتي تحظى بتأييد محافظ نينوى السابق قائد «الحشد الوطني» أثيل النجيفي المدعوم من الحزب «الديموقراطي» بزعامة رئيس الإقليم مسعود بارزاني.

وأكدت تركيا في أكثر من موقف رفضها سحب قواتها وتمسكها بإشراكها في المعركة حفاظاً على «المصلحة القومية العليا»، وأعرب الناطق باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن عن قلق بلاده من «مشاركة حزب العمال»، وحذر من أن «أي خطأ سيؤدي إلى نزوح مئات الآلاف من المواطنين»، فيما استدعت وزارة الخارجية العراقية السفير التركي في بغداد وسلمته مذكرة احتجاج شديدة اللهجة في شأن الوجود التركي و»تصريحات المسؤولين الأتراك الاستفزازية والمسيئة»، وذلك على خلفية إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه «لن يأخذ الأوامر من العراق»، وتحذيره لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بأن «يعرف حدوده، فأنت لست ندي ولست بمستواي وصراخك في العراق ليس مهماً، وسنفعل ما نشاء».

ويشكل الانقسام بين الأطراف المحلية في نينوى، معضلة أخرى تواجه المستقبل الإداري للمحافظة، بين قطبين رئيسين يقود الأول النجيفي وشقيقه رئيس ائتلاف «متحدون» أسامة النجيفي، في مواجهة نفوذ «الحزب الإسلامي» والتقاطعات القائمة حول المطالب من إنشاء إقليم نينوى واستحداث محافظات جديدة، كما أن مطالب الأكراد بضم المناطق المتنازع عليها في المحافظة إلى إقليم كردستان، يزيد المشهد تعقيداً، مع ظهور تشكيل فصائل مسلحة تابعة للأقليات التي تطالب بتحويل مناطقها إلى محافظات مستقلة، إلا أن هناك رؤية أكثر تفاؤلاً بقدرة الأطراف على تجاوز الخلافات، مع إمكانية خلق توازن تحت ضغط أميركي، والذي توج بزيارة قام بها بارزاني إلى بغداد أسفرت عن تفاهمات، بحسب مسؤولين من الجانبين، كما أشارت بعض المصادر إلى قرب زيارة لوفد تركي إلى بغداد للبحث في تسوية.

المشهد العسكري

وواصلت القوات العراقية حشدها في ثلاثة محاور، أبرزها في ناحية القيارة جنوب الموصل، التي تضم قاعدة عسكرية ومطاراً عسكرياً، فضلاً عن المحور الشرقي في ناحية الخازر، وإلى الشمال قرب سد الموصل.

وأفادت «قيادة عمليات نينوى» بأن «نحو 52 ألف مقاتل سيشاركون في المعركة، يتوزعون على 16 فوج عمليات خاصة و32 فوج جيش، و16 كتيبة دبابات و4 أفواج مدرعة و12 فوج طوارئ شرطة، و3 ألوية للرد السريع، و8 أفواج حشد وطني وقوة مغاوير، وسرية سوات، وكذلك 8 أفواج آلية للشرطة الاتحادية، وكتائب مدفعية ثقيلة، وقوات البيشمركة والحشد الشعبي كإسناد وتقديم الدعم بمستوى 4 فرق عسكرية»، مشيراً إلى أن «سلاح الجو للتحالف الدولي سيشارك بمستوى 10 أسراب، وسلاح الجو العراقي بمستوى 3 أسراب ومروحيات هجومية من الجانبين».

في المقابل تفيد مصادر مطلعة بأن «داعش» الذي يقدر أعداد عناصره في الموصل بنحو 5 آلاف عنصر، اتخذ إجراءات احترازية لمواجهة الهجوم المرتقب، وقال سعيد مموزيني الناطق باسم تنظيمات الحزب «الديموقراطي الكردستاني» في نينوى لـ»الحياة» أن «داعش بات يطلق على معركة الموصل حرب الخنادق، إذ حفر ستة خنادق حول المدينة وغمرها بالنفط الأسود، فضلاً عن حفره للأنفاق وتفخيخ جميع الجسور ومئات الأبنية، كما جهز العديد من العربات المفخخة»، وشدد على أن «هذه المعركة يجب أن تنفذ على ثلاث مراحل، الأولى، والتي سيقاوم فيها التنظيم بشدة، تكمن في تحرير منطقة سهل نينوى، ثم التوجه إلى الجانب الأيسر من الموصل، ومن ثم يكون الحسم في الجانب الأيمن». لكن خبراء عسكريين يؤكدون بأن الوسائل الدفاعية للتنظيم لن تخرج عن أسلوبه التقليدي الذي كسبت القوات العراقية الخبرة الكافية لتجاوزه.

وحذر المسؤول الكردي الذي كان يتحدث عبر الهاتف من جبل ناحية بعشيقة التي تتمركز قربها القوات التركية من أن «موعد العملية العسكرية المقررة قد يتأجل في حال عدم حسم الخلافات السياسية والتوتر المتصاعد بين أنقرة وبغداد، على رغم أنه تم التهويل بحجم القوة التركية التي لن يكون لها تأثير على أطراف المعادلة الرئيسيين، وهم البيشمركة والقوات العراقية والتحالف الدولي».

ووفقاً للمحلل الأمني هشام الهاشمي فإن «مستوى نشاط العمليات الانتحارية في أطراف الموصل انخفض بمجرّد شيوع الخبر عن قرب ساعة الصفر للمعركة، وتكثيف التحالف ضرباته المؤثرة على خط الصد الأول لداعش ضمن عملية تليين وإنهاك دفاعات داعش وفتح ثغرات كثيرة في المحور الجنوبي»، مشيراً إلى أن «القوات المشتركة العراقية تريد ملء الفراغ بقوات بيشمركة خاصة، وتريد كوردستان ذلك بحسب اتفاق بغداد الذي تم بين مسعود بارزاني والدكتور العبادي، وحشود أبناء نينوى سيكون لهم الدور الثانوي في كل جبهات المعركة عدا اللواء ٩٢ (حشد التركمان في تلعفر)».

ولفت الهاشمي إلى أن «المعلومات الاستخبارية من داخل الموصل تكشف عدم قدرة داعش أن يقاتل في كل أحياء المدينة الـ٦٥، وقد انتخبت بعض الأحياء لمعارك تشبه تلك التي وقعت في حي الجولان في الفلوجة، التحشيد الداعشي ليس بالكبير في الساحل الأيسر وسهل نينوى، ولا سبيل لهم إلا إن يختاروا القتال في بعض أحياء الموصل»، مؤكداً أن «القوات العراقية ليست مهتمة لمفاجآت داعش، وسيكون الهدف الوصول للمباني الحكوميّة داخل الموصل، ليس بعيداً عن نموذج تحرير الفلوجة، معركة الموصل؛ سوف تكون بصدم العدو بكثافة نارية وفتح جبهات متعددة في آن واحد واستنزافه وإنهاكه ثم الهجوم الرئيسي».

مخاوف من أزمة إنسانية

وتخشى منظمات أممية من حصول كارثة إنسانية من جراء وقوع ضحايا مدنيين، ونزوح أعداد سكانية تفوق الإمكانات المتاحة على رغم الاحتياطات المتخذة، وقالت الأمم المتحدة (الخميس 13/ 10) «إنها تستعد لواحدة من أكبر جهود الإغاثة الإنسانية وأكثرها تعقيداً في العالم خلال المعركة المرتقبة»، وحذرت من أن «الأمر قد يؤدي لتشريد ما يصل إلى مليون شخص فراراً من القتال الذي ربما يستخدم فيه المدنيون دروعاً بشرية أو يتعرضون لهجمات بأسلحة كيماوية».

وتؤكد تقارير أممية «نصب أكثر من 70 ألف خيمة لإيواء النازحين المحتملين»، في حين تقول وزارة الهجرة والمهجرين العراقية إنها «بحاجة إلى أكثر من 300 ألف خيمة».

من جانبها أكدت السفارة الأميركية في بغداد في بيان «أن واشنطن قدمت منذ مطلع عام 2014 ما قيمته أكثر من بليون دولار على شكل مساعدات إنسانية للعراق، فضلاً عن تقديم 181 مليون دولار إضافية على شكل مساعدات إنسانية تحضيراً لمعركة الموصل»، إلى ذلك وقعت حكومتي أربيل وبغداد (الخميس 13/10) على «اتفاقية لتشكيل لجنة مشتركة لإغاثة النازحين».