عبدالله فدعق

المجموعات المتطرفة في ميانمار ما زالت تقوم بإفساد كل شيء يؤدي للسلام، ولجعل المستقبل أفضل فإن البرماويين ينتظرون توصيل صوتهم لكل العالم، وتنشيط قضيتهم، وتفعيل حقوقهم

(البرماويون) لمن لا يعرف هم السكان الأصليون لمملكة (أراكان)، التي تقع جنوب شرق آسيا، بجانب الصين والهند وتايلاند وبنجلاديش، وقد احتلتها دولة (بورما)، (ميانمار) حاليا، وصيرتها إقليمًا من أقاليمها.. الإسلام وصل هناك في القرن الثاني الهجري ـ عام 789م ـ، في عهد هارون الرشيد، عن طريق التجار العرب، حتى أصبحت دولة مستقلة حكمها 48 ملكا مسلما على التوالي، لأكثر من ثلاثة قرون ونصف.. 
عام 1784م احتل (أراكان) الملك البوذي (بوداباي)، وضم الإقليم لبورما خوفاً من انتشار الإسلام، وفي عام 1824م احتلت بريطانيا بورما، وضمتها لحكومة الهند البريطانية، وفي عام 1937م جعلت بريطانيا بورما مع أراكان مستعمرة مستقلة عن حكومة الهند البريطانية، كباقي مستعمراتها في الإمبراطورية آنذاك، وعُرفت بحكومة بورما البريطانية.. في بورما تعرض المسلمون عام 1942م لمذبحة وحشية كبرى من قِبَل البوذيين هناك، راح ضحيتها أكثر من 100 ألف مسلم، وقامت بريطانيا عام 1948م بمنح الاستقلال لبورما شريطة أن تمنح لكل العرقيات ـ 135 عرقا ـ الاستقلال بعد 10 سنوات، وبمجرد الحصول على الاستقلال نقضت العهود، ومورست كل البشاعات ضد المسلمين ـ يعرفون بالروهينغا ـ، من تطهير عرقي، وطمس للهوية، وإلغاء للمواطنة، وحرمان من التعليم، والوظائف، وغير ذلك من المآسي المعروفة، التي اضطرتهم للفرار للخارج، فبدؤوا بالدول المجاورة كباكستان الشرقية ـ بنجلاديش ـ ، وباكستان الغربية، وتايلاند، والهند، وماليزيا وبعض دول الخليج، والعدد الأكبر في المملكة.
هجرة البرماويين الجماعية للمملكة بدأت في الخمسينيات الميلادية، على مراحل أربع، أولها ما بين عامي 1949 و1951 في عهد جلالة الملك عبدالعزيز آل سعود ـ رحمه الله ـ ، ومنحتهم الحكومة حينها إقامات بمهنة مجاور للعبادة، وحسب المصادر المدققة يصل عدد البرماويين في المملكة اليوم إلى 300 ألف نسمة، 75% منهم ولدوا هنا، وأغلبهم كانوا بلا وثائق نظامية، والحكومة مشكورة أنهت تصحيح أوضاعهم، ومنحهم ما يكفل لهم العيش الكريم، وكمثال رقمي بلغ عدد المستفيدين من التصحيح منذ انطلاق البرنامج في 4 /5 /1434 حتى 9 /1 /1437 نحو 249.938 برماويا، بإقامات رسمية مجانية، تحملتها الدولة..
قبل أسابيع سنحت لي فرصة لقاء علمي مع شخصية ميانمارية مسلمة، تعيش هناك، وعرفت منه أن أوضاع المسلمين، الذين يبلغ عددهم ما بين الرسمي والتقديري 3 - 8 ملايين نسمة؛ وإن كانت تتجه للتحسن الطفيف، بعد المجازر المعروفة، إلا أن المجموعات المتطرفة ما زالت تقوم بإفساد كل شيء يؤدي للسلام، ولجعل المستقبل أفضل فإنهم ينتظرون توصيل صوتهم لكل العالم، وتنشيط قضيتهم، وتفعيل حقوقهم، قبل أن تكون بورما ـ كما قال ـ "أندلس ثانية".