عبدالله بن بخيت

شكلت جريدة الرياض مع شقيقتها مجلة اليمامة مرحلة من أهم مراحل الوعي في المملكة العربية السعودية. مر عليها عدد كبير من صناع الثقافة والفكر والأدب مع عدد كبير من الصحفيين المحترفين. بقراءة أعداد الرياض واليمامة منذ بداياتها الأولى يمكن أن ترسم خط الوعي وحجم تصاعده وتعثراته والأحداث التي حركت الثقافة والسياسة والفكر في البلاد.

ثمة أسماء كبيرة كانت تقف في الأمام وأخرى كانت تجلس في الغرف الصحفية حيث تصنع المواد وتتخذ القرارات الكبيرة. كان في المقدمة الصحفي القدير الأستاذ تركي السديري. مرت الرياض واليمامة بعدة هزات ولكن لأن معظم القائمين عليها كانوا من أصحاب الخبرات يدركون مسؤولية أن تقود جريدة كبرى ومجلة بعراقة اليمامة. واجهوا التحديات وتصارعوا معها وأخيرا انتصروا بالقوة والحكمة. من بين هذه القيادات الكبرى الأستاذ سليمان العصيمي. لا اعرف ما الذي دعا الأستاذ سليمان للاستقالة ولكن للإنسان خياراته رغم انه مازال في مرحلة العطاء ومازالت خبرته الكبيرة موضع احتياج كبير.

من العيوب التي لاحظتها في مسيرة الصحافة السعودية أن الصف الثاني من الصحفيين من النادر أن يصعد إلى القيادة إلا في حال انتقل إلى جريدة أخرى. قاعدة ترسخت حتى أصبحت جزءا من فلسفة وتقاليد الحركة الصحفية في المملكة. لا يوجد لها مبرر عملي أو ثقافي ولكن التقاليد هي التقاليد. كم من صحفي مميز خسرته الصحافة بسبب هذه الرؤية.

مؤرخ الصحافة السعودية سيلاحظ أن العشرين سنة الماضية شكلت تغيرا جوهريا متصاعدا في المفهوم الصحفي. توسعت مساحة الحرية وتضاعف عدد القراء وترسخ مفهوم الصحافة وامتد نطاقها ليشمل ميادين كانت بعيدة عن متناولها. صارت حركة التنمية جزءا من اشتغالها فاقتربت أكثر من دورها الطبيعي وهموم الناس. في هذه السنوات أثبت الصحفي السعودي انحيازه إلى التقدم وقيم الحرية. فتحت الصحف صفحاتها للأدب الجديد والفن والآراء المستنيرة التي جابهت قوى التعطيل والتلكؤ. صارت الصحف تتحرك إلى الأمام دائماً. مرة بسرعة وأخرى ببطء. سرعات تمليها الظروف ولكنها لم تتوقف فضلا أن تستدير إلى الخلف. قادت الصحافة معركة التغيير على مستوى الجماهير. يمكن القول إن الصحافة أسهمت أكثر من غيرها من الوسائل الإعلامية ويشهد على ذلك التهم الكثيرة التي كيلت لها.

كثير من القراء من خارج الوسط الصحفي لا يعرف كثيرا من الأسماء الخلاقة التي كانت تقف وراء هذا المعركة. ثمة أسماء كبيرة لامعة تظهر باستمرار في الواجهة. هذه الأسماء الكبيرة كان لها دور عظيم في البناء ولكنها أخفت دور كثير ممن أسميهم قيادات الصف الثاني كالأستاذ سليمان العصيمي وأحمد الجميعة وعبدالعزيز المنصور في الجزيرة وغيرهم كثير.

عملت مع الأستاذ فهدالعبدالكريم في مجلة اليمامة ككاتب وكمحرر أدبي عندما كان سكرتيرا للتحرير يعود الآن ليصبح رئيسي مرة أخرى. لا أعتقد أن الجريدة يمكن أن تجد من هو أفضل منه كفاءة وخبرة وولاء للمؤسسة. فهو رجل قيادي وصحفي عريق ومحبوب من الجميع. أرجو أن يكون تعيينه رئيساً مكلفاً خطوة تأسيسية استعداداً لتعيينه بشكل رسمي. أتمنى للزميلين الأستاذ هاني وفا والأستاذ عادل الحميدان أن يشكلا مع الأستاذ فهد فريقاً يقود الجريدة بثبات في هذه المرحلة الانتقالية الحساسة.