قارئًا وكاتبًا وزميلاً: أين سناء؟

سمير عطا الله

 أقرأ في الصحف المصرية، هنا وهناك، وعلى طريقة الهمس، أو طريقة السؤال في موضع الجواب، أن سناء البيسي، أوقفت، أو توقفت عن الكتابة الأسبوعية في «الأهرام». لست أعرف عن الأمر شيئا، وليس لي معرفة شخصية «بشلال الأهرام المتدفق» كي أتصل بها أستوضح حقيقة المسألة. وأكثر من ذلك، لا أريد أن أثقل بالسؤال على إدارة «الأهرام»، فهي كإدارة، لها ظروفها ولها رأيها وربما لها أسبابها. كل هذا لا يمنع أنني قارئ، ولي حقوقي بهذه الصفة. وبهذه الصفة لا سواها، أسأل «الأهرام»: أين شلال الحبر الجميل، ودفق الينبوع المصري المنعش، وبستان الثقافة والتاريخ والكرامة والإيمان؟ أنا، كقارئ، سوف أعلن الاعتصام منذ الآن وإلى أن تعود سناء إلى الكتابة. وإذا كان من الصعب أن تطل من «الأهرام» من جديد، فسوف أنتظر أن تطل من أي نافذة أخرى تليق بباقاتها وورودها.

وليس من باب الادعاء، أو التبجيح القول إن الصحيفة بكتّابها أولاً. أي إذا كانوا من طبقة سناء ومن مرتبتها الصحافية. وأنا عندما أقرأ «الأهرام» - أو سواها - لا أبحث عن نبأ أذيع منذ الصبح. ولا كنت أقرأ الصفحة اليومية عن نشاطات السيدة سوزان مبارك. بل يوم كان أنيس منصور يكتب يوميًا عموده هنا وزاوية في «الأهرام» كنت أحرص على قراءة الزاويتين، حتى لو كانت الثانية شأنًا محليًا عن القليوبية. الذين لا يقرأون في الصحافة العربية مائة ضعف الذين يغنون حياتنا وثقافاتنا وأيامنا، ويحفظون الرقي، والبقاء لهذه المهنة المهددة بالانقراض من شدة الرتابة والصدأ والكسل. وأعيش الجزء الأكبر من حياتي قارئًا، لا كاتبًا. وأشعر بحرص أناني وشخصي ومهني ووجداني على تلك المصابيح التي تحترق لتنير دروبنا. وسناء مثل عمود ذهبي، تشع كلماتها في كل الاتجاهات.
ونشكر الله على أن هذه المهنة تتجدد برغم حال التكلس، أو ما كان يسميه محمود درويش الرمال السائدة، ذرة متشابهة بالأخرى. وإذا كان لي أن أخاطب «الأهرام» كزميل، وليس فقط كقارئ، فإني أسأل كيف يمكن صدور قرار بإيقاف سناء، أو بقبول توقفها.
إنني أضم صوتي إلى أصوات الزملاء المصريين الذين بدأوا يتساءلون «أين سناء». وهذه ليست حملة من أجلها، فأي حملة إهانة لها ولمرتبتها العالية ولمكانتها عند من لا أعرف من المأخوذين بأسلوبها وجهدها وثقافتها، وأمومتها لمصر، وقضايا مصر، وهموم مصر، وأحزان مصر، ومفاخر مصر.
أحب أن أضيف شيئًا آخر: سناء البيسي، بالنسبة إليَّ، مثل جرس الوعي. مقالاتها تذكّرني بالناس الذين يجب أن أتذكرهم. وبالقضايا التي يجب ألا أنساها. وبالمستوى الذي يجب ألا يحيد الكاتب عنه.