مواطن عربي

يوسف القبلان

حائر هذا المواطن العربي. تحاصره الأخبار والمواقف العربية والعالمية الغامضة أو المتناقضة أو الواضحة بدرجة لا تصدق.

مواطن يتمنى تحقيق التقدم العربي في كافة المجالات. عاش لعقود من الزمن على الأمل، وتفاءل بالخطابات والشعارات، حلم بالتقارب والتضامن والعلاقات السياسية والتنموية التي ينتج عنها الأمن والسلام والحياة الكريمة. لا يدري المواطن العربي هل يضع ثقته في الاعلام الرسمي، أم الاعلام الخارجي الذي يعتبره يمارس المصداقية والمهنية أحيانا، وفي أحيان أخرى يعتبره صوتا للمؤامرات. يتابع انتخابات العالم متطلعا الى فوز من يخدم مصالح العرب ويحقق أهداف العرب!

جذبه شعار الوحدة العربية، تفاعل مع فكر القومية العربية، رفض الاستعمار، وغنى للاستقلال. أطربته شعارات ضد الشيوعية والامبريالية والصهيونية. يلاحظ بقلق التقاعس في ميدان العلم والعمل والتنمية، والنشاط في التفاعل مع نظرية المؤامرة. انشغل بالمشهد السياسي في بلاد العرب وكل بلاد العالم، وجبة سياسية يومية يستيقظ على إزعاجها، وينام على سريرها، وينقلها معه الى مقهى الثرثرة.

استسلم لنظرية المؤامرة، ثم أدرك متأخرا أن المتآمر من الخارج لا يمكن أن ينجح بدون متآمر من الداخل. يملك الأدلة الواضحة على المؤامرات الخارجية، ولا يملك المؤشرات على عمل عربي جاد وموحد للتصدي لها والمضي قدما في طريق العلم والعمل نحو التنمية الشاملة.

ينظر الى فلسطين فيجدها انتقلت الى الأرشيف، والى سورية فيبكي ويتألم، والى العراق فيكتشف عودة الاستعمار بمحتل جديد، والى ليبيا ليدرك أن الثورة بدون قيادة ونظام ومؤسسات تقود الى الفوضى والصراع.

مواطن كانت كلمة (ثورة) هي حلمه والكلمة الأثيرة لديه، كانت في شعره وخطاباته وأغانيه. ثم جاء الربيع العربي ليحول الحلم الى كابوس. ثم اكتشف أن الثورة لم تكن ثورة للتنمية وإنما هي ميدان للصراع والتنافس والاقصاء وهدم الجسور، والانفصال عن المصير المشترك، وكل الأسس التي توحد العرب.

سقط المواطن العربي في فجوة كبيرة بين ما يقال، وما يجري على أرض الواقع. بحث عن الجامعة العربية، انتظر منها الحلول، ادرك أن الأزمة بل الأزمات أكبر منها. وتعجب كيف أن الدول العربية يجب أن تتفق وتتوحد كي تستطيع الجامعة أن تقوم بمسؤولياتها.

الجامعة هي التي تنتظر الحلول مكتفية بإصدار البيانات الدبلوماسية. أما المواطن فيرجع بالذاكرة الى تلك المصطلحات التاريخية في الخطاب العربي (ثورة، ديموقراطية، تقدمية) فيجد أنها لا علاقة لها بالواقع وأن معايير التقدم كانت مسيّسة وخادعة للمواطن العربي الذي عانى ولا يزال من نتائجها حتى الآن.

أدرك أخيرا، أن وجود المؤامرات ضد المصالح العربية، لا يعني الاكتفاء بالحديث عنها لتبرير الانكسار العربي والفرجة على العالم المتقدم.