عقبات ثلاث حيَّرت الحريري وأخَّرت حسمه 

 سركيس نعوم

أولى العقبات الثلاث التي تؤخّر وصول العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهوريّة، في رأي المُتابعين من قرب أنفسهم لحركة "حزب الله"، كانت حتى اليوم (صباح أمس) تردّد الرئيس سعد الحريري في ترشيح عون رسميّاً للرئاسة رغم اقتناعه بأنّه الأنسب له وللبلاد. فهو ظنَّ، عندما رشّح لهذا الموقع قبل نحو سنة نائب زغرتا سليمان فرنجية، أنّه سيُرضي زعيم 8 آذار "حزب الله"، وأن الأخير سيُسارع إلى مباركة الخيار وإلى إقناع غير المُقتنعين به داخل صفوفه، وكذلك إلى احتضان المُرشِّح وتوفير ما يحتاج إليه في أكثر من مجال، وهو كثير. لكن ذلك لم يحصل. إذ تمسّك "الحزب" بعون خياراً رئاسيّاً واحداً ورفض فرنجية الأقدم في تحالفه معه ومع سوريا الأسد، واحتفظ في الوقت نفسه بعلاقته الوثيقة به. ألحق ذلك ضرراً كبيراً بالحريري، إذ أصاب جمهوره وهو الغالبيّة في طائفته السُنيّة بالغضب والإحباط والرفض، ودفع أعضاء في تيّاره وأصدقاء له إلى الابتعاد عنه والتجرّؤ عليه. لهذا السبب يخشى الآن أن يقضي ترشيحه عون رسميّاً على ما تبقّى من قاعدته الشعبيّة وأن يُفقده حلفاء وأصدقاء آخرين داخل "تيّاره" وخارجه.
وثانية العقبات التي أخّرت حتى الآن على الأقل ترشيح الحريري عون للرئاسة هي موقف المملكة العربيّة السعوديّة. فالمعلومات المتوافرة عند "حزب الله" تُفيد أن الوزير الياس بو صعب التقى في أبو ظبي مؤخّراً مستشاراً لوليّ وليّ العهد السعودي وأثار معه رئاسة عون. لكنّه لم يلمس منه تشجيعاً للحريري كي يرشّح عون أو تأييداً للأخير. إذ قال له: "ليعمل الحريري ما يريد". وهي تُفيد أيضاً أن وزير الصحّة وائل أبو فاعور التقى رئيس المخابرات السعوديّة خالد حميدان، ولمس منه جوّاً غير إيجابي مماثلاً. واعتبر الحزب أن حصر الصلة "تقريباً" برئيس المخابرات يُشير إلى أن المملكة بدأت تتّجه إلى معاملة لبنان مثلما كانت تعامله سوريا الأسد. أي يكون الاتصال بالمسؤول المخابراتي، الذي كان في لبنان الراحلان غازي كنعان ورستم غزالي. ويبدو أن حميدان صار مكلّفاً ملف لبنان من حيث التعاطي المباشر واليومي. أمّا القرار النهائي في أي موضوع فلوليّ العهد محمد بن نايف أو لوليّ وليّ العهد محمد بن سلمان بعد التشاور طبعاً مع الملك سلمان. وهذا التبدّل يدلّ في رأي "الحزب" على سلبيّة سعوديّة تجاه لبنان كلّه وتجاه حلفائها فيه أو على عدم اهتمام على الأقل. إلّا أن الفرق بين كنعان وحميدان، على حدِّ قول قيادي فيه، هو أن الأول كان جزءاً عضويّاً من النظام بكونه ضابطاً كبيراً وبعثيّاً وابن الطائفة التي تُمسك بالسلطة والحكم. في حين أن حميدان ليس من العائلة المالكة الحاكمة مثله مثل وزير الخارجيّة. الموقف السعودي هذا حيّر الحريري. فهو من جهة لا يريد أن يُزعّل السعوديّة لأنّه حليفها ولأنّه "ابنها" ولأنّ له مصالح سياسيّة يريد المحافظة عليها ومشكلات ماليّة فيها لا تُحلّ من دون تدخّلها، ولأنّه لا يريد خسارة سُنّة لبنان المؤيّدين لها. وهذه الخسارة مرجَّحة، بعضها حصل (ريفي وآخرون) وبعضها قد يحصل بعد ترشيح عون. وهو من جهة أخرى يتعرّض إلى ضغط من ثلاثي داخل "تيار المستقبل" مؤلّف من وزير ونسيب ومستشار يطلب منه أن يختار أو بالأحرى أن يبحث عن خيار آخر أو أن يتّخذ خياراً آخر وخصوصاً بعد إحجام المملكة عن تقديم المساعدة الماليّة والسياسيّة. علماً أن اثنين من هؤلاء صارا بحسب الشائعات من أصحاب الثروات رغم تضاؤل ثروة الحريري.
أما ثالثة العقبات فهي مواقف المعترضين على ترئيس عون من داخل فريقي 8 و14 آذار. إذ لا بدّ أن يفرض ذلك على الحريري، بعد ترشيحه إيّاه رسميّاً، التباحث بل التفاوض مع هؤلاء وفي مقدّمهم الرئيس نبيه برّي والنائب سليمان فرنجية والمسيحيّون المستقلّون وغيرهم.
انطلاقاً من ذلك يؤكّد المُتابعون من قرب أنفسهم لحركة "حزب الله" أن جلسة 31 الجاري لن تُنتج رئيساً للجمهوريّة سواء رشّح الحريري عون رسميّاً أو بقي مُتردّداً ومُحتاراً كما أسلفنا أعلاه. علماً أن المؤشّرات كلّها تفيد أنّه حسم خياره وأنّه سيُعلنه اليوم على الأرجح إذا لم يكن أعلنه أمس. ويقولون أيضاً إن الأمر غير مستحيل وممكن في الوقت نفسه، لكنّه يحتاج إلى صبر وحكمة وتعقّل وعمل من الحريري والمعترضين على عون والمؤيّدين له. فهل يتوافر؟
وهل يفرّط "الحزب" بخيار عون؟