ما بعد تحرير الموصل

شملان يوسف العيسى

أعلن رئيس الوزراء العراقي الدكتور العبادي بدء معركة تحرير الموصل يوم الاثنين 17 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، وتأتي بداية التحرير بعد مدة طويلة من الإعداد لها من قبل الحكومة العراقية ودول التحالف الغربي.

وهذه خطوة مباركة لتحرير الموصل من إرهابيي «داعش» بعد احتلال دام مدة عامين تقريًبا.

السؤال: ما طبيعة المنطقة بعد تحرير الموصل؟ مجلة Economist «الإيكونومست» البريطانية الرصينة كتبت في عدد 14 أكتوبر الحالي أن نتائج معارك حلب والموصل ستحدد مستقبل المنطقة؛ إما حروًبا أهلية مستمرة أو حكومة فيدرالية تنهي نفوذ الحكومات المركزية.

جريدة «الشرق الأوسط» بدورها كتبت يوم الأحد 16 أكتوبر مقالاً أكدت فيه أن معركة الموصل ستكون معركة أجندات مفتوحة وملفات مجهولة على ضوء تعدد أطرافها عراقًيا وإقليمًيا ودولًيا، فتعدد الأطراف الفاعلة عراقًيا يتكون من مشاركة الجيش العراقي الحكومي وقوات البيشمركة الكردية والحشد الشعبي المدعوم من إيران بمشاركة الحرس الثوري الإيراني على حدود السليمانية لدعم الحشد الشعبي وتأمين طريق بري سريع لإيران إلى الحدود السورية.

إقليمًيا تحشد تركيا قواتها في بعشيقة شمال الموصل وقد جندت معها قوات عراقية سنية دربها الجيش التركي. الرئيس التركي إردوغان رفض سحب قواته من العراق وأصر على مشاركة بلده في تحرير الموصل، مؤكًدا أن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي عاجز عن تحرير المدينة.

دولًيا موقف الولايات المتحدة من معركة الموصل ملتبس وغير واضح أو مفهوم، فهي من جهة لديها مستشارون عسكريون وصل عددهم إلى 5 آلاف يدربون الجيش العراقي، ولديها مستشارون يدربون قوات البيشمركة الكردية، وهم كذلك يدربون أبناء العشائر السنية على السلاح. سياسيا يصرح الأميركيون بأنهم يدعمون رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، وفي الوقت نفسه يعلنون أنهم يتفهمون موقف حليفهم في حزب الناتو تركيا، التي توجد فيها أكبر قاعدة جوية أميركية في المنطقة. واضح جًدا أن الموقف الأميركي يتلخص بتوزيع الأدوار لضمان توازن القوى بحيث لا يطغى طرف على الآخر.

دول مجلس التعاون الخليجي تتحالف اليوم مع تركيا وينسقون مواقفهم معها، فاجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون مع نظيرهم وزير خارجية تركيا في الرياض خرج بتصريح واضح يحذر من مشاركة ميليشيات الحشد الشعبي العراقي في عملية تحرير الموصل وأنها ستؤدي إلى كارثة وتأجيج النزاعات الطائفية والمذهبية بين أبناء الشعب العراقي، مطالبين بغداد باستخدام جيشها الوطني وأبناء المناطق لمواجهة «داعش» والقضاء عليها.

المأساة الحقيقية تكمن في حقيقة أن أهالي الموصل المسالمين وقعوا بين نارين؛ إحداهما عصابة «داعش» الإرهابية، والثانية قوات الحشد الشعبي الشيعية الطائفية.

ماذا سيحصل للموصل بعد هزيمة تنظيم داعش؟ هل سينتهي الإرهاب في العراق؟ وهل سينعم هذا البلد المنكوب بالأمن والاستقرار؟

ما الاحتمالات أو السيناريوهات المتوقعة؟ المتشائمون يرون أن تدخل الحشد الشعبي الطائفي سيخلق أزمة جديدة، لأن قادة الحشد يريدون الانتقام من أهل الموصل لوقوفهم مع «داعش» حسب تصورهم، وهنالك احتمال بأن تحصل تصفيات جسدية لأهالي الموصل من السنة.

الاحتمال الثاني المتشائم يتوقع أن يتم تهجير سكان الموصل وإجراء تغيير سكاني (ديموغرافي) يتم فيه استبدال سكان من الشيعة أو الإيرانيين بسكان أصليين من عرب السنة حتى يصبح المكون الشيعي الأغلبية في المناطق السنية وبذلك يسهل التحكم في هذه المناطق.

الاحتمال الثالث المتفائل يرى أن الولايات المتحدة وتركيا ستمنعان مشاركة الحشد الشعبي والميليشيات التابعة لإيران من التدخل في حرب تحرير الموصل، وتهدف الولايات المتحدة من ذلك لتحاشي بدء تصفيات بين الحشد الشيعي وسنة الموصل.. كذلك تحاول الولايات المتحدة إرضاء سنة العراق والاستمرار في سياسة التوازنات.

السيناريو الرابع المتفائل هو أن الولايات المتحدة تريد إعطاء السنة في العراق عاصمة لهم في الموصل.. كما أعطت الأكراد عاصمة إدارية لهم في أربيل، وبذلك تصبح الموصل عاصمة الإقليم السني.. الولايات المتحدة تتحرك مع الحكومة الأردنية بتسليح العشائر العربية وتعدهم لإعادة إعمار مناطقهم في غرب العراق (الأنبار)، وهنالك نخبة من القيادات السنية الرافضة للإرهاب وتنشر الأمن والاستقرار في بلد يشمل جميع شرائح المجتمع العراقي...

لقد كان بيان دول مجلس التعاون واضًحا بإعلانهم أنهم ينشدون وحدة التراب العراقي ووحدة شعبه بعيًدا عن التدخلات الأجنبية التي تحاول إدخال الفتنة إلى العراق لتمزيقه