هل استفاد العرب من الانخفاض الحاد في أسعار النفط؟

ليون برخو

كان للانخفاض الحاد في أسعار النفط تأثير بالغ في ميزانيات الدول العربية المنتجة لهذه المادة وعلى الخصوص الدول المنتجة.

الغوص في حيثيات ما جرى من هبوط مفاجئ وكبير للأسعار وأسباب ومسببات ذلك قد لا يفيدنا بشيء. جرى الحديث عن الأسباب كثيرا. من المحللين من عزاها إلى السياسة ومنهم من ربطها بأمور اقتصادية وآخرون أطلقوا العنان لمخيلتهم وأتوا بأمور عجيبة وغريبة.

في رأيي أن التركيز على الأسباب والمسببات يشبه الذي يقع في مشكلة وبدلا من حلها يأخذ في ملامة نفسه أو الآخرين على مصيبته. وكذلك يشبه الذي يقع في حفرة وبدلا من محاولة الخروج منها وبسرعة وبأي وسيلة، يقرر الاستمرار في الحفر.

مهما كانت الأسباب، لا بد من التذكير أن الهبوط الحاد الذي لا يزال قائما (الأسعار حاليا أقل من نصف ما كانت عليه سابقا)، كان درسا بليغا للدول النفطية العربية، لاسيما الخليجية منها.

كان وقع الانحدار الذي لم تشهده الأسعار ربما منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي كالصاعقة على عجلة الاقتصاد في هذه الدول حيث صار تأثيره محسوسا على مستوى الجمهور، أي الناس العاديين.

أعتقد أن هذه الدول وأصحاب الشأن فيها ومواطنيها كانوا بحاجة إلى هزة كهذه، وأساسها أن الاتكال المفرط على ريع النفط له من المضار ما يفوق المنافع.

ولم يجانب السياسيون الحقيقة في تأكيدهم أن الاستناد إلى ما تأتي به مبيعات النفط من دخل بالعملة الصعبة في كثير من الدول المنتجة كان قد وصل حد الإدمان.

وكل إدمان في الحياة خطير. الإدمان معناه الإفراط والغلو، وهما آفتان تضربان بعض المجتمعات العربية في الصميم وعلى مستويات ومواقف عديدة في السياسة والاقتصاد حتى التعبد والتدين.

وخطر الإدمان كبير إلى درجة أن أي خفض في كمية الجرعة يكون له تأثير سلبي على المدمن.

إن لم يكن لهبوط الأسعار أي إيجابية غير أنها هزت الدول المنتجة وجعلتها تصل إلى قناعة ثابتة وراسخة أن حالة الاتكاء على الاقتصاد الريعي تضر أكثر مما تنفع فهذا لعمري أمر يستحق الثناء.

وإن كان الهبوط في أسعار النفط علم الناس أن زمن الجلوس في المكاتب والحصول على وظيفة حكومية ذات راتب مجز دون بذل جهد كبير لم يعد ممكنا فهذا أيضا لعمري أمر حسن.

ومن أحسن الحسن هو الشعور المتزايد في الدول النفطية وعلى وجه الخصوص الخليجية منها أنه آن الأوان كي يشمر أبناء البلدان هذه عن سواعدهم ويحلوا محل العمالة الوافدة.

الوجود الكثيف للأجانب في هذه الدول إلى درجة أن المواطنين في بعضها صاروا أقلية (نحو 10 في المائة) من السكان في نظري أخطر بكثير على الوجود والمستقبل من الهبوط الحاد في أسعار النفط.

وإن كان الانخفاض الحاد قد علم أبناء وبنات هذه الدول وأخص بالذكر الشباب منهم أن عليهم أن ينزلوا إلى ساحة العمل ويقدموا كل الخدمات بدءا من المنزلية إلى الخدمات العامة من صحة وبلديات وكهرباء وماء وغيرها لأنفسهم وبأنفسهم فهذا والله من الحسنات التي يجب عدم إغفالها.

التوطين ومن ثم التوطين وفي كل حلقات الحياة -أي أن يعتمد الناس على أنفسهم قدر المستطاع- هو ما تحتاج إليه هذه الدول قبل النعم التي يغدقها اقتصاد الريع.

أما النفط وما أدراك ما النفط ستبقى أسعاره رهن المضاربات السياسية والاقتصادية. زيادة الأسعار سيسيل لها لعاب الشركات العملاقة للقيام بحملات استكشاف وزيادة ما تخصصه للبحث والتطوير كي تقلل التكاليف وتزيد من أرباحها.

انخفاض الأسعار كان أثره بالغا في الدول النفطية قبل غيرها.

نعم تأثرت شركات استخراج النفط الصخري ولكنها لم تخرج من الخدمة. على العكس، الدلائل تشير إلى أن هناك تقدما تقنيا مذهلا في تكنولوجيا وأساليب التكسير الهيدروليكي الذي يرافق عمليات استخراج النفط الصخري ومن نتائجه خفض ملحوظ في تكلفة البرميل المستخرج.

وإن أخذنا التقارير حول احتياطي الولايات المتحدة من النفط الصخري بعين الاعتبار التي تقدر بـ 1.5 تريليون برميل، لعرفنا ما يخبئه الزمن لأسعار النفط ومسألة العرض والطلب.

لو وضعنا هذا الرقم الكبير في سياق الاحتياطي السعودي المعلن لرأينا أنه يعادله بنحو خمس مرات.

والاستكشافات على قدم وساق. لا يمر شهر إلا ونسمع أو نقرأ عن اكتشاف حقول جديدة. ما لم يكن ممكنا قبل ستة أشهر، تجعله تكنولوجيا الحفر التي يبدو ألا حد لنموها وتطورها في متناول اليد اليوم.