هدنة لإنقاذ اليمن

مفتاح شعيب

وضعت الساعات الأولى للهدنة اليمنية الجديدة شكوكاً حول احتمال صمودها بسبب الخروقات التي حدثت مع بدء سريانها معززة بأجواء عدم الثقة في التزام معسكر الحوثيين والرئيس السابق علي عبدالله صالح بوقف إطلاق النار بما يسمح بالعودة إلى المفاوضات مثلما تأمل الأمم المتحدة وجميع الأطراف ذات الصلة بما فيها التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن.

الهدنة الجديدة هي السادسة في عمر الصراع خلال التسعة عشر شهراً الماضية، وهي أكبر فرصة يمكن أن تشكل منعطفاً في الأزمة إذا مرت أيامها الثلاثة الأولى بأقل قدر من الانتهاكات وجرى تمديدها مثلما يشير بيان إعلانها الأممي، فالساعات ال 72 ستشكل اختباراً قاسياً على اليمن، وعليها سيتضح إما خيار العودة إلى المفاوضات بناء على مقررات المرجعيات المعلنة أو مواصلة القتال وتكبيد الشعب اليمني مزيداً من الخسائر البشرية والتفريط في مقدراته وتعميق المآسي الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها البلد، وبدأت تتجلى بصور فظيعة خصوصاً على مستوى انهيار النظامين التعليمي والصحي، وهو ما يعزز التأكيد بأن واقع الحال لم يعد يحتمل مزيداً من التصعيد العسكري، كما لم يعد من سبيل للنجاة غير المفاوضات والتوافق على حل سلمي ينهي هذه المعاناة المريرة.

أكثر من المرات السابقة، تلقى الهدنة الجديدة اهتماماً دولياً متزايداً وضغوطاً كبيرة من أجل وقف الحرب والانكباب على معالجة جذور الأزمة سياسياً برعاية الأمم المتحدة ومبعوثها إسماعيل ولد الشيخ أحمد، كما أن هناك تفاؤلاً بألا تطيح المناوشات الحادثة بهذه الفرصة التي ستكون الأخيرة بالفعل. 

ويخطئ المتمردون إذا اعتمدوا على الخروقات لتحقيق مكاسب ضاعت عليهم في معارك الأشهر الطويلة، أما إذا احتكموا إلى المبادئ الوطنية والقناعة بالتعايش مع بقية الفرقاء، فبإمكانهم أن يكونوا شركاء في اليمن وأحد صناع مستقبله الذي سيولد بصعوبة، فبعد الحرب القاسية اقتنع الجميع باستحالة إقصاء أي طرف أو مكون، والحديث عن ضرورة المفاوضات لإنهاء الصراع هو تأكيد لهذا المنطق. وعليه يتم جبر الأضرار وبناء قواعد جديدة للتعايش ووضع خطط للإنقاذ وإزالة كل الألغام السياسية أو الاجتماعية التي قد تنفجر تباعاً ما لم تعالج من جذورها بالشجاعة والجرأة المطلوبتين لدى جميع اليمنيين لتجاوز كل المعضلات المعقدة.

لا يشكو اليمن من الخلاف بين الحكومة الشرعية والمتمردين فحسب، بل لديه مآس وكوارث لن يقدر على حملها بمفرده، ومن ذلك التدهور الحاد في الأوضاع الاجتماعية، حيث بدأت مؤشرات مفزعة عن انتشار أمراض فتاكة مثل الكوليرا وحمى الضنك، وهي أوبئة يهدد انتشارها بإسقاط ضحايا أكثر ممن يسقطون في المعارك الحربية الدائرة. 

ورغم وصول كثير من المساعدات الطبية العاجلة، وبعضها من الهلال الأحمر الإماراتي، إلا أن المسؤولية الجسيمة تلقى على اليمنيين أنفسهم سواء كانوا مع الحكومة الشرعية أو ضمن المتمردين، وظهور هذه التحديات الخطيرة لا يترك أمام الفرقاء هامشاً كبيراً للمناورة، فإنجاح هذه الهدنة لا يقتصر على إنهاء الصراع فحسب، وإنما يفتح المجال لخوض حروب أخرى أجدر بالجميع خوضها لأنها تصنع الحياة وتتعلق بمكافحة الأوبئة وإعادة تأهيل وإعمار المرافق التعليمية والصحية وإنقاذ الوضع الاجتماعي من أجل مستقبل قد يحمل الرأفة بجميع اليمنيين بلا استثناء.