نحو تحرير الموصل وليس تدميرها!!

عثمان الماجد

في مساء يوم الأحد الماضي نشرت جريدة الشرق الأوسط أونلاين خبرًا بالبنط العريض يقول: «آلاف المنشورات على الموصل قبل انطلاق عملية تحريرها... »، وجاء تحت هذا العنوان العريض عنوان فرعي أصغر منه حجمًا يكمل ما كتب بالبنط العريض ويقول: «تضمنت تعليمات السلامة لأهالي المدينة». ويستشف من العنوان الفرعي بناءً على تراكم خبرات الحروب التي شنت وتشن في منطقة الشرق الأوسط ومراسمها أن قرار الحرب على داعش لتحرير الموصل «شغل» أمريكاني تخطيطًا وتوقيتًا دون أن نلتفت إلى كل ما يضخه الإعلام العراقي الرسمي أو المليشياوي في إدعائه بأن القرار كان قرارًا سياديًا، وبقوى ذاتية!

المهم أن الوقت لم يطل كثيرًا بين إلقاء المنشورات في مساء الأحد وتحريك القوات العراقية، فما بين التحذير وتحرك القوات العراقية ساعات معدودات بدأت فيها تلك القوات هجومها صباح الاثنين لاستعادة الموصل، ثاني أكبر مدينة في العراق، من «داعش»، التي شكل إقامتها دولة في العراق في العاشر من يونيو 2014 لغزًا محيرًا، يقال إن إجابته المفصلة قابعة لدى نوري المالكي، رئيس الوزراء الأسبق.

وما إن بدأت الأخبار ترد من الميدان بعد بدء عملية التحرير حتى استدعت ذاكرتي في التو والحال مشاهد فيديو مريعة كان يتداولها الناس على «الواتسآب» في يوم السبت من هذا الأسبوع أيضا، أي قبل بدء معركة «التحرير» بيوم واحد. فما العلاقة بين الفيديو وعملية تحرير الموصل؟ أعتقد بأن العلاقة موجودة، غير أننا سنتريث في الكشف عنها وذكرها، لأن الأيام القادمة كفيلة بأن تظهرها بوضوح في شكل الممارسات الوحشية ذاتها التي ظهرت في الفيديو.

الفيديو، الذي قصدت، كان يحتوي مشاهد مثيرة للمشاعر، تقشعر لها الأبدان، مستفزة لانتماءاتنا إلى جنس البشر. مشاهد لا يتساوى في وحشيتها وإدمائها مع من عرضهم الفيديو إلا الضواري والوحوش الكاسرة في عمق الغابات عندما تمزق فريستها. ملخص هذا الفيديو الذي كان من بطولة مجموعة عناصر من ميليشيات ما يسمى بـ «الحشد الشعبي»، لم تتح لهم كراهيتهم وقتًا لتحديد الأدوار في ما بينهم فراحوا جميعا يعربدون،

بمديات مختلفة الأحجام في جثة هامدة، تقطيعًا وسباقًا إلى بلوغ منطقة ما في أحشاء الميت، للحصول على أجزاء من داخل الجثة، ليلتهموها، كما كانت بعض الأصوات تسمع وهي تزعق بهذه الرغبة مزهوة بنصر مزعوم على ميت، تعبيرًا عن حجم الكراهية المغروسة في قلوب هؤلاء الوحوش.

قيل إن الجثة لإمام مسجد في مدينة الشرقاط بالعراق، وفي هذا تفصيل قد يكون مهمًا لدى البعض ولكنه في نظري أقل بكثير من دلالات المشهد الإنساني، فلا يمكن لصاحب عقل أن يتصور فظاعة ما يرتكب تحت عباءة الجهل المقدس ولا يمكنه بأية حال أن يرضى بأن يتساوى وأصحاب الفعلة والمؤيدين لها في المنزلة البشرية.

طويلة هي الفترة التي استغرقتها عملية الإعداد لتحرير الموصل، فقد شهدت شدًا وجذبًا لجهة من سيشارك فيها. ميليشيات «الحشد الشعبي» تلح على المشاركة بإصرار من مرجعيتها الإيرانية ومن قيادتها العسكرية المتمثلة في الحرس الثوري الإيراني، الأمر الذى دعا تركيا إلى طلب المشاركة أيضا، وهي في ذلك تشيع على الملأ بأنها لا تنتظر موافقة الحكومة العراقية لأن دوافعها، كما عبر عنها رئيس الجمهورية التركية رجب الطيب إردوغان ألا تقود عملية تحرير الموصل إلى تأجيج توترات طائفية محتملة لها كبير الأثر على الاستقرار في المنطقة المحاذية لحدود دولته.

ولعل هذا ما يفسر كثرة التصريحات الصادرة من كبار المسؤولين في الأمم المتحدة ومن روسيا والعراق والولايات المتحدة، هذه التصريحات في مجملها تنم عن عدم ثقة بالمهنية العسكرية لدى الجيش العراقي عندما تشاركه مليشيات «الحشد الشعبي» في تحرير الموصل.

فعندما يسمح لمليشيات الحشد بالمشاركة، وهي المجربة في عملية تحرير سابقة من سيطرة لـ «داعش» على مدينة الفلوجة، فضلاً عن خلفيتها العقائدية ومرجعيتها المذهبية المنصاعة تمامًا للإملاءات الإيرانية، ستختلف الأهداف ساعتها وتتضارب ويغدو كل مشارك في عملية التحرير بأهدافه مغنيًا على ليلاه. فدحر تنظيم «داعش» والقضاء على دولة الخلافة هدف مشترك بين المتحالفين، أما ميليشيات «الحشد الشعبي» فسيكون التخلص من السنة في الموصل هدفًا إضافيًا لديها، ولهذا تصر تركيا على أن يكون لها دور في تحرير الموصل لمنع انزلاق الحرب هناك إلى أن تكون حرب تطهير مذهبي وربما تطورت إلى تطهير عرقي.

وعلى الرغم من أن تحرير الموصل من داعش عملية مطلوبة لتعزيز الأمن في العراق، والقضاء على بؤرة من بؤر الإرهاب في المنطقة، إلا أنها عملية محفوفة بمخاطر تنامي الكراهية إذا ما لم يكن الهدف موحدًا في اتجاه التخلص من إرهاب تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» الذي لا يختلف حوله أحد من مكونات المجتمع العراقي.

بعد مضي أربعة أيام من بدء عملية تحرير الموصل أخذًا بالاعتبار قوة النيران المتواجدة على الأرض والمدعومة بغطاء جوي من قوات التحالف يمكن الجزم، بأن الحقائق على الأرض تشير إلى أن تنظيم الدولة الإسلامية ذاهب إلى خسران مبين. لكن، السؤال يبقى منتصبًا، هل بانتهاء هذه الحرب ستنتهي مشكلة العراق مع الانفلات الأمني وعدم الاستقرار؟ يبدو لي أن الصورة قاتمة لإعطاء إجابة متفائلة طالما بقيت للمليشيات المرتبطة بالحرس الثوري وبالمرجعيات الدينية الإيرانية، والتي تأطرت أغلبها تحت مسمى «الحشد الشعبي» كلمة تحدد السياسات الداخلية والخارجية في العراق.

كم يتمنى المواطن العربي الواقع تحت ضغط التدخلات الخارجية في مقدراته أن تتسارع خطى إنهاء الحرب وطرد «داعش» بسرعة، وأن تكون لقوى التحالف ضد «داعش» والإرهاب الكلمة لدى الحكومة العراقية في وقف مشاركة الميليشيات من أي مذهب أو عرق، وعلى رأسها ميليشيات «الحشد الشعبي»، حتى تتعزز ثقة سكان مدينة الموصل والجوار الذي يقع تحت سيطرة الدولة الإسلامية في هدف الحرب التي تشن على مدينتهم على أنه من أجل التحرير وليس التدمير. وإلا فستكون مشاهد الفيديو الذي تحدثت عنه في المستهل هو المشهد السائد في شوارع الموصل.