هل يكون مصير جلسة انتخاب عون شبيهاً بمصير جلسة انتخاب جعجع؟

اميل خوري


لا يكفي أن يعلن الرئيس سعد الحريري تأييده ترشيح العماد ميشال عون بعد تسوية لم تُعرف تفاصيلها ليصبح عون رئيساً، ولا أحد يعرف مدى التزامه بها. لكن "سلّة الفول" أصبحت في "بيت الوسط، أما "المكيول" فلا يزال في عين التينة... ولبنان معروف أنه بلد التسويات والتفاهمات وغالباً الصفقات للخروج من الأزمات سواء بالاستغاثة بخارج أو بعدم الاستغاثة به. ولبنان معروف أيضاً أنه لا يُحكم إلا بالوفاق والتوافق وبرئيس يجيد تدوير الزوايا وإدارة التوازنات التي إذا ما أصابها خلل كانت الأزمات.

لقد دعا البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الى انتخاب رئيس لا يكون طرفاً، والأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله دعا الى انتخاب من لا يشكل انتخابه كسراً لأحد. فهل تنطبق هذه المواصفات على العماد عون وهو طرف بلون فاقع وانتخابه رئيساً لا يشكل كسراً لخصومه القدامى والجدد إنما لبعض حلفائه مثل المرشح النائب سليمان فرنجية ومن معه، وماضيه يشهد له بأنه كان ولا يزال على صراع دائم حول السياسة الداخلية والسياسة الخارجية، ليس مع الخصوم بل مع الحلفاء والأصدقاء أيضاً، ولا يمكن بالتالي اعتباره مرشح وفاق وتوافق ما لم يكسب تأييد الرئيس نبيه بري وتأييد النائب وليد جنبلاط بعد أن يسحب ترشيح النائب هنري حلو. 

أما حزب الكتائب فيصر على معرفة سياسة عون وأي مرشح سواه لأن المسالة عنده ليست مسألة أشخاص بل مسألة مبادئ. فإذا لم يكتمل تأييد ترشيح عون بموافقة كل هؤلاء فإن جلسة 31 تشرين الأول تبقى محفوفة بالمخاطر حتى وإن اكتمل نصابها، وأكثر من كتلة منقسمة على نفسها بين تأييد عون وتأييد فرنجية. وإذا كثرت الأوراق البيض فإن الجلسة تنتهي كما انتهت جلسة انتخاب الدكتور سمير جعجع بعدم حصول عون على أصوات الأكثرية النيابية المطلوبة، وعندئذ تُرفع الجلسة لمزيد من الوقت بحثاً عن رئيس وفاقي وتوافقي بطبيعته وليس بتطبيعه... وتكون صورة الوضع الميداني في سوريا والعراق خلال هذا الوقت أصبحت أكثر وضوحاً، والانتخابات الرئاسية الأميركية تكون قد انتهت وظهرت ملامح صورة سياسة الإدارة الأميركية الجديدة حيال المنطقة، وصار في الامكان البحث في تسويات وصفقات مع الدول المعنية.

الى ذلك، يمكن القول إن جلسة 31 تشرين الأول هي حاسمة بالنسبة الى المرشح عون، وإلا فلا حظوظ تبقى له بالفوز إلا إذا انضم الرئيس بري الى مؤيديه. وتأجيل الجلسة الى موعد آخر يحدده الرئيس بري، ما يجعل حظوظ عون تتضاءل كما تضاءلت حظوظ الرئيس سعد الحريري عندما أرجأ الرئيس ميشال سليمان الاستشارات مدة اسبوع فأصبحت الأكثرية مع الرئيس نجيب ميقاتي.

الواقع أن لبنان هو اليوم أكثر من أي يوم مضى في حاجة الى رئيس وفاق وتوافق بطبعه وطبيعته كي يستطيع أن يجمع ولا يفرّق، وأن يكون على تفاهم تام وتعاون صادق مع الرئيس الذي سيكلف تشكيل الحكومة وعلى سياستها عند وضع بيانها الوزاري، وهل يكون شكلها قبل الانتخابات النيابية غيره بعدها، ومعرفة على أساس أي قانون جديد ستجرى لتكوين صورة مسبقة عن نتائجها.

إن رئيس الجمهورية العتيد إذا لم يكن على تفاهم وتعاون مع رئيس الحكومة فيخشى عندئذ أن يعيش لبنان بوجود رئيس بلا حكومة كما يعيش الآن بحكومة ولكن بلا رئيس... وهنا المصيبة الكبرى، فالرئيس الشيخ بشارة الخوري لو لم يكن على تفاهم وتعاون مع الرئيس رياض الصلح لما حصل لبنان على الاستقلال وتخلص من الانتداب الفرنسي. لذلك لا يكفي انتخاب عون رئيساً إذا ما انتخب، بل ينبغي أن يكون على اتفاق مع من سيكلف تشكيل الحكومة وعلى تسمية الوزراء والحقائب، وتالياً على سياستها، خصوصاً إذا لم تكن أزمات دول في المنطقة قد تم التوصل الى حل لها، إذ يصبح مطلوباً من الحكومة العتيدة تحديد موقفها ليس من سلاح "حزب الله" فحسب، بل من مشاركة مقاتلي الحزب في الحرب السورية، وتحديد موقف لبنان من صراعات المحاور، هل يكون منحازاً أم محايداً، هذا وغيره من الأمور التي تحتاج الى تفاهمات دعا اليها الرئيس بري، لا لتشكل انتقاصاً من صلاحيات رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، بل جعل هذه التفاهمات ملزمة بعد موافقتهما عليها.

لذلك لا يكفي انتخاب رئيس للجمهورية والأزمات في المنطقة لم يتم التوصل الى حل لها، بل تصبح مرحلة ما بعد انتخابه أخطر. والكل يذكر ما حصل للرئيس فؤاد شهاب وهو القوي المهاب في مستهل عهده عندما استقالت حكومته الأولى قبل أن تمثل أمام مجلس النواب، واضطر الى تشكيل حكومة رباعية تراعي التوازنات والأوزان في التمثيل، وكذلك عندما استقالت الحكومة الرباعية في عهد الرئيس شارل حلو لخلاف على السياسة التي ينبغي انتهاجها حيال دخول أول دفعة من المسلحين الفلسطينيين الى منطقة العرقوب. فيجب إذاً الاتعاظ بأخطاء الماضي كي لا تتكرر لا في الحاضر ولا في المستقبل. فانتخاب الرئيس ليس كل شيء وإن كان شيئاً مهماً منه.